برز تطور لافت عشية القمة العربية تمثل في رسالة موجهة إلى القمة صدرت بعد لقاء جمع بين الرئيسين اللبنانين السابقين ميشال سليمان وأمين الجميل ورؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام.
تضمنت الرسالة وفق المعلومات إشارة إلى تمسك لبنان بالوقوف إلى جانب الأشقاء العرب والحرص اللبناني على أفضل العلاقات مع الدول العربية. كما عبرت عن رفض كل ما يتهدد المصلحة العربية، وعن احترام لبنان للإجماع العربي الصادر عن مؤتمرات القمة العربية.
وكشفت الرسالة عن موقف من حزب الله ينزع عن تدخلاته الخارجية الشرعية اللبنانية العامة والرسمية، حيث اعتبرت أن لبنان غير موافق على تدخل حزب الله في سوريا أو في العراق واليمن.
وجددت الرسالة التأكيد على التزام لبنان باتفاق الطائف والقرارات الدولية وخصوصا القرارات 1701 و1559 و1680. وأعادت التذكير بأهمية التوافق الذي أنتج إعلان بعبدا في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان.
تصعيد ضد إيران
أرسلت نسخة من الرسالة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي. وتشير المصادر إلى أن الرؤساء الثلاثة عبروا عن استيائهم. وبينما لم يصدر بيان رسمي أو تصريح عن رئيس الجمهورية أو عن رئيس الحكومة أطلق رئيس المجلس النيابي موقفا واضحا اعتبر فيه هذه الخطوة “غير مُستساغة وغير مسبوقة، لا بل غير مقبولة”.
محمد الحجار: من مصلحة لبنان التضامن مع الإجماع العربي الميال إلى التصعيد ضد إيران
وانتشرت مؤخرا معلومات، لم يتم تأكيدها بشكل نهائي، تفيد بوجود قرار عربي يقضي بإقرار بند التضامن مع لبنان في القمة العربية، مقابل موافقة لبنان على القرارات التي يتوقع أن تصدر عن القمة، والتي ستشدد على رفض التدخل الإيراني في المنطقة العربية ورفض التدخل الخارجي في سوريا.
وتضع بعض الأوساط اللبنانية مشاركة رئيس الحكومة سعد الحريري في أعمال القمة في إطار تخفيف التوتر وضبط إيقاع المواقف العربية من لبنان. ويتوقع أيضا أن يعمد رئيس الجمهورية ميشال عون إلى محاولة التخفيف من حدة التوتر العربي تجاه لبنان عبر تكرار ما جاء في خطاب القسم.
ولا يبدو أن الجو اللبناني يستوعب بشكل واضح حجم التصعيد العربي ضد إيران، فلا تزال التقديرات اللبنانية في هذا الشأن قاصرة عن إدراك العمق الفعلي لهذه الأزمة، والتي باتت عبارة عن حرب مفتوحة بكل ما للكلمة من معنى.
كذلك لم يقرأ لبنان المناخ الذي تتجه إليه مواقف القمة والذي يرجح ألا يتضمن بيانها الختامي مجرد إدانة للتدخل الإيراني وحسب، بل سيبحث في خطوات عملية لمواجهته.
يعتبر محمد الحجار، النائب عن كتلة المستقبل النيابية، أنه بغض النظر عن المواقف التي تضمنتها الرسالة التي وجهها رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومة السابقون إلى القمة العربية فإنه “يجب التأكيد على أن القمة ذات صفة دولية وهي مخصصة للرؤساء والملوك، وتاليا فإنه لا صفة لمرسلي الرسالة تسمح لهم بمخاطبة القمة بشكل رسمي، ولا أعتقد أن القمة ستستقبل هذا النوع من الرسائل”.
ويشدد في تصريحات لـ"العرب" على أن “مشاركة لبنان في القمة العربية من خلال وفد يجمع بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري تهدف إلى التأكيد على أن الرئيس عون سيميل إلى عرض الموقف الذي يحظى بإجماع لبناني”.
ويضيف أن “وجود الرئيس الحريري يشير إلى أن الموقف اللبناني سيعكس موقفا موحدا وأن الرئيس عون سيعمد إلى تكرار ما جاء في خطاب القسم لناحية التأكيد على دعم التضامن العربي، وعموما فإن الدول حين تعبر عن مواقفها من خلال رؤسائها فإنها تعبر عن موقف عام، وليس عن موقف أي طرف محدد”.
لبنان في الصف العربي
يلفت الحجار إلى أنه من مصلحة لبنان “العودة إلى سياسته التاريخية المرتبطة بضرورة الوقوف إلى جانب الإجماع العربي، والتي طالما مارسها على امتداد عقود والتي لم تخرق سوى مؤخرا”. ويؤكد على أن “خير لبنان في التضامن مع الإجماع العربي الميال إلى التصعيد ضد إيران”. ولا يبتعد فادي كرم، النائب عن كتلة القوات اللبنانية، كثيرا عن هذه الرؤية مشيرا إلى أن المناخ الذي عبرت عنه الرسالة ينسجم مع “ضرورة سعي كل اللبنانيين إلى ضمان مصلحة لبنان في النأي بالنفس عن صراعات المنطقة التي لا يبدو أنها ستنجلي في وقت قريب”.
سمير الجسر: حرص لبنان على السلم الأهلي قد لا يسمح له باتخاذ موقف من إيران
ويضيف في تصريحات لـ"العرب" أن “هذا المناخ يعبر عن موقف لبناني عام لا يخرج عنه سوى حزب الله الذي يحرص على الدوام على تأكيد ارتباطه بحروب المنطقة والاستراتيجية الإيرانية، من هنا فإن الخلاف الأساسي الذي يبرز حاليا هو الخلاف بين السياديين وبين منطق حزب الله”.
ويلفت إلى أن ردة فعل رئيس مجلس النواب نبيه بري على هذه الرسالة “لا تخرج عن الإطار العام الذي يتحرك فيه الرئيس بري على الدوام، لناحية حرصه على وجود مناخ وفاقي عام”.
ويعتبر أن موقف رئيس الجمهورية في القمة العربية “سيكون موفقا وناجحا بقدر التزامه بالمعايير العامة للخطاب الذي رافق عهده، ولكن في حال حاد الرئيس عن هذه الخطوط العامة، وتبنى خطابا مغايرا وذهب في اتجاه الانحياز إلى خط معين فإن ذلك سيتسبب في تفجير مشكلة بين لبنان والخارج وكذلك في تعميق الانقسام الداخلي”. ويعتقد كرم أن رئيس الجمهورية يدرك تماما خطورة موقفه وتاليا فإنه “سيميل إلى التعاون مع رئيس الحكومة للخروج بخطاب يمثل اللبنانيين ويكون منسجما مع توافقية العهد”. ويشدد على أن الموقف اللبناني يجب أن يكون واضحا لناحية دعمه “مواقف الدول العربية التي وقفت إلى جانبه طوال عقود، والتي ساهمت في حماية اقتصاده وأمنه”.
لكن، سمير الجسر، وزير العدل الأسبق والنائب الحالي عن كتلة المستقبل النيابية، يلفت إلى أن “حرص لبنان على الحفاظ على السلم الأهلي قد لا يسمح له باتخاذ موقف حاسم من التدخل الإيراني”، إلا أنه يؤكد، في نفس الوقت، أن “بعض المواقف في لبنان جاءت على خلفية محاولة الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وهو يتكامل مع موقف الدولة اللبنانية ولا يتناقض معه”.
ويضيف الجسرفي تصريحات لـ"العرب" أن المعلومات المتوافرة حول كلمة رئيس الجمهورية في القمة “تؤكد على أنها ستتضمن رفضا للتدخلات في شؤون الدول العربية وفق ما كان قد ورد سابقا في خطاب القسم وهذا المنطق ينسجم مع التوجه العربي”. ويعتقد أن خطاب الرئيس في القمة سينجح في سحب “فتيل التوتر العربي اللبناني”.
تكشف الأخبار المتلاحقة عن الخلايا التفجيرية التابعة للحرس الثوري والتي تسعى إلى تخريب الأمن في أكثر من دولة عربية، والتي تم مؤخرا اكتشاف إحداها في البحرين، عن نية إيرانية واضحة بالتصعيد واستهداف الأمن العربي. من هنا لا يتوقع سوى أن تكون القمة العربية صيغة تنفيذية لقرار مواجهة إيران، واجتماعا يهدف إلى مناقشة الإطار العام الذي سيحكم عملية المواجهة. ولا يبدو أن للموقف اللبناني أهمية كبيرة أمام مشهد المواجهة العربية العام ضد إيران. فعمليات الضبط التي تحكم المعادلة اللبنانية حاليا والتي تنسجم مع مصالح كل الأطراف تشكل صيغة عامة تحكم اللعبة الداخلية؛ وتنتج ميلا إلى عدم دفع الأمور إلى مواجهة مباشرة مع القرارات العربية في انتظار ما ستسفر عنه التحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.
شادي علاء الدين