يجمع المراقبون لشؤون المنطقة على أن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى روسيا تتجاوز الرواية الرسمية لطهران وموسكو حول توق البلدين إلى تطوير التبادل الاقتصادي والتعاون التنموي المشترك كمحور أساسي لهذا الحدث.
وترصد هذه الأوساط مجموعة من الأعراض التي توحي بحاجة البلدين إلى تنظيم علاقاتهما ومنع تصادم أجندتهما، لا سيما في الشأن السوري.
ووصل الرئيس الإيراني عصر الاثنين إلى موسكو في زيارة رسمية تستغرق يومين تلبية لدعوة رسمية من نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وذكرت المصادر الرسمية الإيرانية أن الزيارة تهدف إلى تنمية العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
ومن المقرر أن يجتمع الرئيسان الروسي والإيراني اليوم الثلاثاء، حيث سيكون اللقاء التاسع الذي يجمعهما خلال السنوات الأربع الماضية. وسيتم خلال اللقاء توقيع عشر وثائق مهمة وخطة طريق لتعزيز العلاقات بين البلدين.
وتعتقد أوساط روسية متابعة أن للقاء الذي يجمع روحاني وبوتين جوانب استراتيجية عاجلة على ضوء الضغوط التي يتعرض لها البلدان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
وتضيف هذه المصادر أن إيران تصبو إلى تصليب علاقاتها السياسية مع روسيا لاتقاء السياسة العدائية التي تعلنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدها، وأنها تسعى إلى إيجاد قواعد عمل مشتركة مع روسيا لمواجهة الاستحقاقات التي لم تظهرها بعد السياسة الخارجية الأميركية الجديدة.
وتحاول طهران استمالة موسكو من خلال فتح أسواق الطاقة أمام الشركات الروسية، وبالتالي زيادة الانخراط الروسي في الاقتصاد الإيراني بما يضمن انخراطا سياسيا أفضل لموسكو إلى جانب طهران.
وقال روحاني إن طهران ترحب بالاستثمارات الروسية في حقول النفط والغاز في إيران، في إشارة إلى تطور كبير للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة.
وصرح الرئيس الإيراني في مطار مهر أباد في طهران قبل مغادرته إلى موسكو أن “ثمة إمكانات هائلة للاستثمار الروسي في قطاع الطاقة في إيران (…) عرضنا عددا من حقول النفط والغاز على الشركات الروسية. سنرى تطورا كبيرا في التعاون في مجال الطاقة”.
وشهدت العلاقات بین طهران وموسكو طفرة نوعية بعد ازدیاد حجم التبادل التجاري بین البلدین خلال العام 2016 نحو 80 بالمئة عما كان علیه في العام 2015 وبلوغه ملیارین و200 ملیون دولار، إلی جانب المصادقة علی تأسیس منطقة تجاریة حرة بین إیران واتحاد أوراسیا، ونجاح استراتیجیة الاتفاق النفطي بینهما بشأن عودة حصة إنتاج النفط الإیراني إلی ما كانت علیه قبل الحظر.
وتتسق تحليلات المصادر الروسية مع القلق الذي يعتري النظام السياسي الإيراني جراء ارتسام علامات أولى لاستراتيجية أميركية في الشرق الأوسط تعتمد على تمتين التحالفات التقليدية بين واشنطن وعدد من العواصم العربية، وهي تستنتج بجلاء تبدل مواقف واشنطن في اليمن وسوريا والعراق وتعكف على تحليل نتائج الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن واجتماعه بترامب.
وترصد مراجع دبلوماسية أوروبية قمة روحاني بوتين من زاوية ما يعتقد أنه فشل صاحب قمة الرئيس الروسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وترى هذه المراجع أن تركيا أبدت امتعاضا من الاتفاق الذي أبرمته روسيا مع قوات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة ميليشيات إرهابية، والذي يقضي بإقامة قاعدة روسية في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات في عفرين على مقربة من الحدود مع تركيا.
ولفت المراقبون أيضا إلى استدعاء وزارة الخارجية التركية قبل أيام للقائم بالأعمال الروسي احتجاجا على مقتل جندي تركي برصاص انطلق من منطقة يسيطر عليها الأكراد في سوريا.
وأفصحت هذه التطورات عن تدهور أصاب العلاقات بين البلدين على الرغم من محاولة بوتين وأردوغان إخفاء ذلك.
ويرى مراقبون للشأن السوري أن روسيا التي كانت تسعى لجعل منبر أستانة بديلا عن جنيف استنتجت من غياب فصائل المعارضة المسلحة عن حضور الاجتماع الأخير بمثابة رد تركي هدفه تقويض الجهد الروسي، ما كشف في الوقت عينه مقدار التقارب في الرؤى الروسية مع تلك الإيرانية المتعلقة بالملف السوري.
وترى مصادر أميركية مطلعة أن روسيا تحاول ترتيب المشهد الإقليمي، وبالتالي تنظيم علاقاتها مع إيران، قبل الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو في أبريل المقبل.
وتعتبر هذه الأوساط أنه مهما كانت نتائج هذه الزيارة، فإنها ستحرر الجانب الروسي من حالة اللبس والضبابية التي تعتري خطط الإدارة الأميركية الجديدة في مقاربتها الرسمية للعلاقة مع موسكو.