لا يمكن إشاحة النظر عما يجري في سوريا. أي تطور، يستحق التوقف عنده مليّاً للقراءة في خلفياته وخفاياه والتداعيات التي قد يفرزها. ولا يمكن فصل لبنان عما يجري في سوريا، في ظل وجود حزب الله هناك، وتزامناً مع ارتفاع لهجات التصعيد الإسرائيلي، بشنّ حرب ضد الحزب، سواء أكان ذلك على الجبهة الجنوبية اللبنانية أم السورية.
ما يعزز هذه الأجواء هو توافر معطيات إلى جانب هذه المواقف التصعيدية العلنية، والتي تفيد بأن الوضع قد يسمح لإسرائيل بشنّ ضربات معينة. وهذا أيضاً كان موضوع بحث بين وفد من حركة حماس جال على القوى السياسية اللبنانية فيما تحدّثت معلومات عن لقاء عقده وفد حماس مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في سياق تعزيز التنسيق بين الطرفين لمواجهة أي حتمال قد يطرأ.
ما يهمّ إسرائيل أكثر، هو عدم وجود حزب الله والإيرانيين في مناطق قريبة منها أو يمكن الإنطلاق منها لتنفيذ عمليات تؤدي إلى إهتزاز أمنها. لذلك، هناك العديد من الرسائل الإسرائيلية التي جرى توجيهها إلى كل الدول المعنية، بوجوب عدم السماح للإيرانيين وحزب الله بأن يكونوا موجودين في منطقة الجولان. وهذا ما طلبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو من الرئيس الروسي فلادمير بوتين خلال زيارته موسكو. ويؤكد الإسرائيليون بأنه لا يمكن أن يقبلوا بذلك، لأن ما يزعجهم هو وجود حزب الله على طول الخط العرضي على الحدود الجنوبية السورية.
الوضع يستدعي التدقيق والمراقبة. جملة اجراءات إسرائيلية ومواقف تصبّ في خانة استهداف الحزب وإيران، وهي لا تنفصل عما جرى أخيراً من تقديم إقتراح قانون في الكنيست الإسرائيلي في شأن منع لبنان من اجراء التلزيمات النفطية. وهذا أيضاً يلتقى مع وجهة نظر دولية، تقضي بالضغط على الشركات النفطية لعدم التزام أي بلوك نفطي في تلك المنطقة الجنوبية، خصوصاً أنها خاضعة لسيطرة حزب الله. وفي مقابل هذه الاجراءات، ثمة من يعتبر أنها لن تؤدي إلى حرب شاملة ومفتوحة. ولكن هذا لا يعني أن الضربات ستتوقف، ولكن من دون أن تتطور.
ويصرّ حزب الله على الرد ميدانياً، على الكلام الذي يتحدث عن إنسحابه من سوريا، أو عن اتفاق أميركي روسي وتركي يقضي بوجوب ضرب الحزب في سوريا، وإجباره على الإنسحاب. وهذا الرد جاء هذه المرّة من دمشق، عبر إرسال الحزب تعزيزات عسكرية كبيرة إلى العاصمة ومحيطها، بعد شنّ فصائل المعارضة هجمات في أحياء وسط العاصمة السورية. عليه، دخلت عناصر الحزب، وبدأت عملية عسكرية لمنع حصول أي إختراق في خاصرة العاصمة. وهو قاد المعارك في حي جوبر واستطاع إيقاف الهجوم، وفق مصادر متابعة.
كذلك، لم يتوان الحزب عن إرسال تعزيزات جديدة إلى حماه، بعد إطلاق فصائل المعارضة فيها معركة جديدة. لكن اللافت كان أن روسيا التي تدخلت بقوة في حماه، لم تتدخل في العاصمة دمشق. وهذا ما تردّه المصادر إلى جملة أسباب، أبرزها تعارض في وجهة النظر الإيرانية والروسية بشأن كيفية التعاطي مع مفاوضات جنيف وتطبيق ما اتفق عليه في آستانة.
وتعتبر المصادر أن الفصائل رفضت الذهاب إلى آستانة، بسبب عدم تحقيق وقف إطلاق النار والتزام النظام بما اتفق عليه هناك. لذلك، لم تتدخل روسيا في ما جرى في دمشق أخيراً. وهناك من يعتبر أن غض الطرف الروسي وعدم التدخل، ينطلق من الضغط على النظام والإيرانيين للقبول بمناقشة مقترحات المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، ولأنه لم يكن هناك قرار بفتح معركة مفتوحة في دمشق، بالإضافة إلى أن روسيا تعتبر أن دمشق منطقة خاصة بالإيرانيين وخاضعة للنفوذ الإيراني، وبالتالي لا بأس من توجه رسائل لاهتزاز هذه السطوة في تلك المنطقة.