يكشف الجدل الدولي المواكب لعملية التحضير لمعركة الرقة لاستعادتها من داعش عن أعراض تتناقض في الأجندة الغربية مع تلك الروسية في المنطقة عموما وفي سوريا خصوصا.
ويتخوف المراقبون من أن يؤدي غياب الرؤى المشتركة بين موسكو والتحالف الدولي ضد داعش إلى تنافس ميداني قد يضعف التكتيكات العسكرية لتخليص الرقة من براثن تنظيم داعش.
واعتبر الجيش الروسي أن إعلان فرنسا عن محاصرة الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا، والبدء الوشيك في خوض معركة استعادتها “لا صلة له بالواقع”.
وبدأ الآلاف من سكان الرقة بالخروج من المدينة والتوجه إلى الريف الشمالي والجنوبي بعد تحذير تنظيم داعش من انهيار سد الفرات وتكثيف القصف الجوي لطائرات التحالف الدولي على المدينة خلال الأسبوع الماضي.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف من المقاتلين العرب والأكراد يحظى بدعم الولايات المتحدة، أنها دخلت مطار الطبقة العسكري الذي يسيطر عليه داعش في شمال سوريا.
وقال المتحدث الرسمي باسم هذه القوات العميد طلال سلو إن “قوات سوريا الديمقراطية سيطرت على أكثر من خمسين في المئة من مطار الطبقة العسكري”، لافتا إلى أن “المعارك مستمرة داخل المطار ومحيطه”.
ويستغرب الخبراء العسكريون غياب التنسيق العسكري في شمال سوريا بين القوى العسكرية الدولية، لا سيما الروسية والأميركية والتركية، وحضور التنافس في هذا المضمار والذي يعكس رغبة موسكو وواشنطن وأنقرة في فرض أمر واقع داخل الأراضي السورية، بالأخص تلك المحيطة بميدان المعارك حول الرقة، بما يقوّض الجهود الجدية للقضاء على التنظيم الإرهابي في معقله الأساسي في سوريا.
وترى هذه الأوساط أن السلوك الميداني للدول الثلاث في شمال سوريا يكشف عن فشل الاجتماع الثلاثي الذي ضم رؤساء هيئة الأركان الأميركية والروسية والتركية في أضنة في تركيا في السابع من مارس الجاري.
وقال المتحدث باسم الجيش الروسي إيغور كوناشنكوف في بيان إن “تفاؤل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان الذي أعلن عن إتمام تطويق الرقة (…) لا صلة له بالواقع والوضع الميداني”.
وأضاف كوناشنكوف “من الواضح بالنسبة إلى أي اختصاصي عسكري أن تحرير الرقة لن يكون نزهة للتحالف الدولي”، لافتا إلى أن مدة العملية ونجاحها يبقيان رهنا بقدرة الأطراف على “تنسيق تحركاتها مع كل القوات التي تتصدى للإرهاب الدولي في سوريا”.
وقارن مع المعركة المستمرة لاستعادة الموصل، آخر أكبر معقل للجهاديين في العراق، قائلا “حتى أكثر المتفائلين ما عادوا مقتنعين بتحرير كامل للموصل من تنظيم الدولة الإسلامية هذا العام”.
وكانت باريس أعلنت الجمعة أن معركة استعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم داعش ستبدأ في الأيام المقبلة.
وقال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان “اليوم يمكننا القول إن الرقة محاصرة ومعركة الرقة ستبدأ في الأيام المقبلة”. وأضاف الوزير الفرنسي أن المعركة “ستكون قاسية جدا لكنها أساسية لأنه وبمجرد سيطرة القوات العراقية على أحد المعقلين والتحالف العربي الكردي على الآخر فإن داعش سيواجه صعوبة حقيقية في الاستمرار”.
ويرى دبلوماسيون روس أن إعلان وزير الدفاع الفرنسي عن بدء معركة تحرير الرقة يمثّل عجرفة غربية لا تعترف بالحضور العسكري الروسي في سوريا والذي كاد يكون حصريا منذ تدخل روسيا المباشر في سبتمبر عام 2015.
ويضيف هؤلاء أن الحضور الروسي العسكري والسياسي أصبح أمرا واقعا ومن العبث محاولة القفز عليه وعدم أخذ أجندة روسيا في سوريا والمنطقة بعين الاعتبار.
وعلى الرغم من أن رد وزارة الدفاع الروسية جاء تعليقا على تصريحات وزير الدفاع الفرنسي، إلا أن دبلوماسيين أميركيين يعتبرون أن موسكو ترسل رسائلها إلى واشنطن في هذا الصدد وهي ما انفكت تكثف من هذه الرسائل ميدانيا، خصوصا عبر إقامة قاعدة روسية تم الاتفاق بشأنها مع قوات حماية الشعب الكردية في منطقة عفرين ليس بعيدا عن الحدود مع تركيا، وأن موسكو تحتاج إلى تكثيف علامات حضورها في سياق معركة الرقة قبل الزيارة الأولى التي سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو الشهر المقبل، بعد زيـارتـه إلى تركـيا المقـررة الخـميس الـقادم.
وترى أوساط أميركية مراقبة أن روسيا تحاول تجنب أي احتكاك دبلوماسي مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهي في غياب الرؤية الأميركية الواضحة إزاء طبيعة العلاقة مع موسكو تسعى لتعزيز تموضعها العسكري وبسطه في الداخل السوري لتضييق الخيارات الأميركية وحصرها بما يمكن أن يكون بالشراكة مع روسيا.
في المقابل ترى هذه الأوساط أن واشنطن، وعلى الرغم من تمسكها بخيار الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية لتحرير الرقة، ستحرص على طمأنة تركيا في سعي لتأكيد التحالف التاريخي بينهما ضمن حلف الأطلسي ولمحاولة استمالة أنقرة وتحييدها عن الجدل الأميركي الروسي المقبل في شأني سوريا والعراق.