بعد تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي في الموصل، وزحف قوات سوريا الديموقراطية باتجاه الرقة بدعم أميركي، لم تعد خسارة تنظيم ”داعش“ الأراضي الخاضعة لسيطرتها سوى مسألة وقت. بحسب مؤشرات متقاطعة، يحمل هذا الانكسار تداعيات للبنان قبل غيره من الدول، نظراً لنية التنظيم والتقارب الجغرافي وسهولة التسرب عبر الحدود مع سوريا.
أول هذه المؤشرات تقرير في موقع “ديبكا فايلز” القريب من دوائر أمنية اسرائيلية، اعتبر لبنان محوراً لاستراتيجية الخروج لدى التنظيم. جاء في هذا التقرير أن زعيم ”داعش“ أبو بكر البغدادي ومساعديه، وهم ضباط عراقيون سابقون، أعطوا أوامر للمقاتلين الأجانب بالتوجه الى لبنان، بدلاً من الانسحاب باتجاه دير الزور في شرق سوريا والبوكمال في غرب العراق. الموقع رأى في الخطوة تبدلاً جذرياً عن خطة سابقة بالانتشار بين البلدتين المهمتين للتواصل بين العراق وسوريا منذ حزيران (يونيو) عام 2014.
الإشارة الثانية كانت اعتراف وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق في تصريح صحافي أمس بوجود خلايا نائمة للتنظيم، رغم اعتباره الوضع الأمني "تحت السيطرة". ومثل هذه الخلايا تظهر بعض آثارها في الاعتقالات المُعلن عنها، أو الإحالات المتتالية للمتهمين بالانتماء التنظيم وتمويله، الى المحاكم اللبنانية. ثم ألم ينجح أي مقاتلين لبنانيين سابقين بالعودة للبنان والاندماج في مجتمعاتهم دون اثارة أي ضجيج؟ هذا احتمال غير مستبعد سيما لو أخذنا في الاعتبار أن التنظيم يضم مئات المقاتلين اللبنانيين، علاوة على مناصريه داخل الأراضي اللبنانية.
وهذا الوجود، نائماً كان أم بارزاً، مرشح للتصاعد بينما يخرج التنظيم من مناطق سيطرته. وهنا السؤال الأساس: إلى أين سيذهب المقاتلون الأجانب، سيما اللبنانيين منهم؟ بيد أن تنظيم ”داعش“ بنى مجتمعاً وفقاً لرؤيته، بمقاتليه الأجانب وزوجاتهم وأطفالهم، وجميعهم قطعوا علاقاتهم بدولهم. بل نصبوا العداء لها نتيجة الاعتداءات الارهابية التي لم تُوفّر بقعة في أنحاء العالم. والأرجح أيضاً أن التنظيم لن يتخلى عمّن استثمر فيهم سنوات، وقطع علاقاتهم بدولهم، بل سيستخدمهم للتوسع بريّاً أو في رقعة الحرب ضد أعدائه. وما يرفع مستوى الخشية من وقوع مثل هذه الاعتداءات، تقاطع بعض المصادر المحلية في مدينة الرقة ومحيطها مع رواية الموقع الآنف الذكر. إلا أن هذه الرواية تؤشر إلى ”اختفاء“ عشرات المقاتلين اللبنانيين ممن يحملون جنسيات ثانية خلال الأسابيع الماضية. المعضلة الأمنية مع هؤلاء ”المتسللين“ المحتملين أن رصدهم صعب نتيجة مغادرتهم بلدان ثانية غير لبنان، وبالتالي فإنهم خارج رادار الأجهزة المحلية. يتطلب مواجهة هذا الصنف من العائدين اجراءات أمنية احترازية خاصة لرصدهم خلال فترة السنة المقبلة على الأقل.
واللافت جداً في توقيت هذه التقارير أنها تتزامن مع مرور سنة على نشر التنظيم شريطاً يُهدد فيه لبنان بمقاتلين لبنانيين في صفوفه. فالفيديو الذي أتمّ عامه الأول، حمل رسائل كثيرة، أولها مكانة لبنان لدى القيادة المركزية للتنظيم، إذ صدر عن المكتب الاعلامي لولاية الرقة. وكلام الشابين في الفيديو، وهما "أبو خطاب اللبناني" (عمر الساطم) و"أبو عمر الشامي" (بسام بيتية)، كان ألمح الى عمل عسكري وشيك.
مهند الحاج علي