بطبيعة الحال، لن نسمع أي اعتراض من قبل الزملاء الممانعين. وان حدث ونطق أحدهم بشيء، لن يتعدى الامر التحذير من المؤامرة التي يحيكها الغرب ضد الروسيا الصامدة بوجه الهجمة الغربية الامبريالية.
مجددا، يقف المرء عاجزاً محتاراً لدرجة الارباك عن فهم الأشخاص المعجبين والمندهشين بالروسيا البوتينية. طبعاً من الممكن تفهّم من درس وعاش وتعلّم في روسيا أو في الجمهوريات السوفياتية الأخرى (والتي بالمناسبة احتلّها القياصرة ولم يمنحها لينين استقلالها). هؤلاء عاشوا بين السوفيات ومن الطبيعي أن يبقوا على هذا الحنين المصحوب بقليل من النوستالجيا والامتنان. ذلك هو حال كل من هاجر طلباً للعلم او العمل الى اوروبا او اميركا.
إقرأ أيضا : أطفال سوريا.. ضحية الإرهاب وصراعات الكبار
أما الآخرون، فما بالهم؟ بعضهم ربما مصاب بداء النوستالجيا لشيوعية الساحة الحمراء وعروضها العسكرية. يتعاملون مع الرفيق أبو علي فلاديمير بوتين كما لو كان عضواً سرياً في الحزب الشيوعي الروسي ويسعى، بالتنسيق مع زيوغانوف، لإعادة الاتحاد السوفياتي.
البعض الآخر ربما هو مصاب كذلك بحنين ارثوذكسي للإرث القيصري للروسيا العظمى. في هذه الحالة من الواجب عليهم ان يتعمدوا بين يدي اوّل كاهن ارثوذكسي يلتقون به. المطامع الروسية في الدول المحيطة بها لا زالت مستمرة. كانت هكذا تحت حكم القياصرة الذين احتلوا بلادا واستعمروا شعوباً والحقوها بإمبراطورتيهم. ثم جاءت ديكتاتورية الحزب الشيوعي السوفياتي والحقت هذه الدول بإمبراطوريتهم الحمراء تحت مسميات رثة من قبيل التضامن الاممي العالمي. في كل الاحوال، قد تختلف الأهواء السلافية، لكن يبقى أن القاسم المشترك بين كل هؤلاء قائم على استسهال التضحية بحرية شعوب بأكملها بحجج المعاداة للغرب ونظريات مؤامرة واهية ومحاربة الامبريالية، كما لو ان بوتين يرأس منظمة تهدف إلى نشر الاشتراكية العلمية على سطح الكوكب.
إقرأ أيضا : من يقرع طناجر الحروب ؟
بالنسبة للمواطنين الروس كما للشعوب المحيطة بالقارة الموسكوفية، تشكل هذه الروسيا بنسختها القيصرية والشيوعية والبوتينية الخطر الإمبريالي الرئيسي التي سعت وتسعى وستظل تسعى لتأييد نفوذها على مصائرهم، تماماً كما تفعل أميركا في القارة اللاتينية أو كما تفعل فرنسا في القارة الافريقية. اما اليوم، ومع بداية القصف الروسي للداخل السوري، لم يبق مكان لإثارة التساؤل. حل مكانه الوضوح الخافت. معظم المبهورين بهذه الروسيا القوية هم كذلك من هللوا لطائرات السوخوي التي تقصف الداخل السوري.
إقرأ أيضا : المواجهة التركية - الايرانية في المنطقة العربية، إلى العلن مُجدّداً
عزيزي ال Russophile: اخلع عنك وهم النوستالجيا واخرج علينا بوضوحك التام. هلل لحبيبتك روسيا، واقبل ان تكون من شريكا في الانحسار المتصاعد للهامش الديمقراطي في روسيا. انت تقوم بكل ذلك، حاول الا تنسى أنك انت اليوم جزء ممن يبررون ويتناسون ويهتفون للديكتاتورية الزبائنية التي عمل بوتين وحاشيته على بنائها وتوطيدها منذ أكثر من خمسة عشر عاما. عليك ان تقبل أنك متواطئ سياسيا ومدان أخلاقيا في التحايل كذلك على مصائر الشعوب الروسية التي لازالت تدفع الدماء والاعتقالات والترهيب تحت الحكم القيصري والشيوعي وهي ذاهبة اليوم بخطى ثابتة الى نفس المصير: الكثير من القمع والدماء راهنا، وسقوط قادم لا محالة للديكتاتورية البوتينية.
روسيا بدها حرية.