صدر عن قوى السلطة اللبنانية البلاغ التالي:
أيها اللبنانيون: لماذا أنتم في عجلة من أمركم؟ وعلى ماذا هذه اللهفة؟ ألا تتدبرون شؤونكم وترعوون، فها نحن منذ أكثر من ثماني سنوات عاكفون على إنجاز قانون انتخابي جديد، وقد حسرنا عن ذراعينا، وشمّرنا عن ساقينا، وأعددنا للأمور أقرانها وللحرب آلتها، وسعينا لإنجازه بالأمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد، ولكن وكما تعلمون: لا مؤخّر لما قدّم الله، ولا مُقدّم لما أخّره، وقد أصبحنا في دهرٍ عنود، وزمنٍ شديد، يُعدُّ فيه المحسنُ مُسيئاً، ويزداد الظالم عُتواً.
أيها اللبنانيون: قال الحكيم ميشال فوكو ،رحمه الله، بعد حفرياتٍ مُضنية، في تعريف السلطة بأنّها علاقة قوى، أو أنّ كل علاقة قوى، على الأصح هي "علاقة سلطة"، وها نحن كما ترون قوى متعددة، متنافرة ومتقاربة، متحابة ومتباغضة ، وعليه فنحن لسنا سلطة قوة مُفردة، لنجتمع على قانون انتخابي في يوم واحد وجلسة واحدة، وتذكرون أيام الوصي السوري، احتكر الوصي السلطة "بقوته" المفردة، فكان القانون الانتخابى يُنجز بين ليلةٍ وضحاها، كذلك انتخاب رئيس الجمهورية، بضعة مشاورات يجريها الرئيس حافظ الأسد أو نجلُه خلال أيامٍ معدودات ويُنتخب الرئيس الجديد، لا كما حصل معنا مؤخرا حيث استلزم الأمر ثلاثين شهراً للتوافق على الرئيس الحالي.
أيها اللبنانيون: السلطة عندها استراتيجياتها المتنوعة، وأساليبها المتعددة، لا تتصرّف بعُنف دائم أو لينٍ دائم، أو إيديولوجيا دائمة، السلطة تارة تقمع، وتارة تخدع، وتارة تتقمّص زي الشرطة، وتارة تقدم المساعدات السخية للجمعيات الخيرية. لاحظوا مثلا ما يحصل بوضوح في مؤتمر حزب سياسي ما: تضُجّ قاعة المؤتمر بالمداولات والنقاشات والشجارات ،وقد يحدث نوع من العنف، وتطغى الإيديولوجيا على ما يقال في المنصّة، لكن القضايا التنظيمية، تنظيم السلطة، يتُمُّ البتّ فيها جانباً، في القاعة المجاورة، لذا نُذكّركم أنّ القضايا التنظيمية بين أيدينا، ومُسلّمة "الشرعية" بين أيدينا، ومفادها أنّ سلطة الدولة تتجلّى في القانون، وهذا الأخير مفروض على القوى "الوحشية" ( والتي هي جموعكم)، وهذا القانون (الانتخابي هنا) هو نهاية حتمية أو إرادية تدور رُحاها في اللجان النيابية، وهي لن ترى النور إلاّ بشقّ الأنفس ،فصبراً صبراً، إنّ الله مع الصابرين إذا صبروا.
أيها اللبنانيون: بين الفينة والأخرى، نسمع أنّ قوى السلطة فقدت شرعيّتها بعد التمديد لنفسها، أو أنّ هذه القوى تنطلق من رؤية مصالحها الخاصة ومغانمها لصياغة قانون انتخاب جديد، وهذا صحيح، لكن يجب أن نُذكّركم بأنّ القانون دائماً، هو جمع وتركيب لنزعات لاشرعية، عن طريق التفريق بينها بتقنينها وتعقيدها، ويكفي الرجوع إلى قانون الشركات التجارية للتأكد من أنّ القوانين لا تتعارض كلية مع اللاشرعية، بل بعض القوانين(وأبرزها قانون الانتخاب) يُقنّن ويُدبّر بصورة صريحة في سبيل مراوغة قوانين أخرى، والقانون يُنظّم النزعات اللاشرعية لجعلها قادرة على تقديم الامتيازات المطلوبة للطبقة المسيطرة السائدة، لذا لا تعجبوا بعد اليوم من تداخل الشرعي مع اللاشرعي، وقد تتمكن النزعات اللاشرعية من الاسترسال في عملها تحت غطاء الشرعية (المقاومة الإسلامية والدولة اللبنانية خير مثالٍ على ذلك)، وهكذا قد تقتنعون معنا في نهاية المطاف أنّ قانون الانتخاب (كأي قانون) ليس حالة من السلم، ولا حتى حاصل حربٍ ربحها البعض، بل هو الحرب ذاتها، والتخطيط لها بالفعل، والقانون في هذا مثله مثل السلطة التي ليست مُلكاً دائماً وقارّاً للطبقة السائدة، بل هو ممارسة فعلية لاستراتيجيتها ،ألا ترون كيف يتحدث البعض باحتقار عن قانون الرئيس الراحل فؤاد شهاب! بعد مطالبات بإحيائه منذ سنوات معدودة.
أيها اللبنانيون: لا بأس بتذكيركم بما قاله داهية العرب معاوية بن أبي سفيان عندما قدم المدينة عام الجماعة، وبعد أن آلت الخلافة إليه :
اقبلونا بما فينا، فإنّ ما وراءنا شرٌّ لكم،وإنّ معروف زماننا مُنكرُ زمانٍ قد مضى، ومُنكرُ زماننا معروفُ زمان لم يأت، ولو قد أتى فالرّتقُ خيرٌ من الفتق،
عشتم وعاش لبنان.