أشار رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة الى ان" سلسلة الرتب والرواتب وتطوير وتحسين الأوضاع المعيشية والمالية للعاملين في الدولة في شتى الاسلاك أمر كما أعتقد وأؤمن انه بات ضرورة ملحة لا يجوز التراجع عنه. لكن في الوقت عينه علينا ان نتصارح، في الوقت عينه يجب أن يترافق ذلك مع اعتماد إجراءات مالية تصحح جزءا من الخلل المالي والعجز المتفاقم في الموازنة والخزينة من أجل ضمان الاستقرار الضروري لتحقيق النمو والتنمية المناطقية المستدامة. ليس ذلك فقط، بل وأيضا مع اعتماد برنامج إصلاحي جدي يتضمن إجراءات شجاعة على أكثر من صعيد وطني وسياسي واقتصادي ومالي وإداري وبما يشجع على الانتاجية. بما في ذلك العودة الانتظام في المالية العامة والانضباط في جباية حقوق الدولة ووارداتها من جميع مرافقها وضبط التفلت في الإنفاق العام ووقف الانفاق الإرضائي، بما يلجم العجز في الموازنة والخزينة. ذلك بما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي والتنمية المناطقية وعلى حركة الاستثمار وعلى فرص العمالة الجديدة للشباب وعلى الوضعين المالي والنقدي. وكذلك أيضا على كفاءة وحسن تأدية وتخفيض كلفة الخدمات التي يدفع ثمنها اللبنانيون ولكنهم يتوقعون بالمقابل من الدولة اللبنانية ومن العاملين والقائمين على إدارة جميع مرافقها ومؤسساتها اداء متميزا ومتحسنا باستمرار".
وخلال احتفال تكريمي للرئيس السابق لهيئة التفتيش القضائي القاضي أكرم بعاصيري أقيم في قاعة ثانوية رفيق الحريري في صيدا، لفت الى "اننا نجتمع هنا اليوم لتكريم رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أكرم بعاصيري لمناسبة بلوغه السن القانونية وإحالته على التقاعد. إنه الرجل الذي عرفت صفاته وخصاله لدى العامة والخاصة، ليس فقط في مدينة صيدا أو في سلك القضاء فقط، بل في كل مكان حل به وعمل فيه. وهو النزيه والقدير والملتزم والدقيق، الذي تبوأ مناصبه القضائية عن جدارة واستحقاق فكان الأمين على شرف مهنته وعنوان الالتزام بواجباتها. وهو طوال مسيرته في سلك القضاء قد امتاز بالهدوء والاعتدال وحسن الإصغاء ومناصرة الحق والعدل، وكذلك بالشجاعة في قول الحق، والحفاظ على كرامة القضاء والحرص على إبقائه مصونا وموقرا وموثوقا، مدفوعا إلى ذلك بسلوكه الرصين، والملتزم. بطبيعة الحال، فإنا نحن في مدينة صيدا نعتز بهذا الرجل وبتجربته الغنية والرصينة وكذلك بالقيم التي جسدها طوال تاريخ عمله المهني في سلك القضاء. وأود أن اغتنم هذه المناسبة للحديث عن أهمية الموقع الذي شغله القاضي أكرم بعاصيري وهي هيئة التفتيش القضائي، وبالتالي الحديث عن قضية ممارسة الرقابة والمحاسبة على أساس الأداء في مجال إدارة الشأن العام".
وأشار الى ان هذا الدور الهام وتلك المهمة الجليلة للرقابة ينبغي القيام بها بشكل دقيق وصحيح ومسؤول لكي يتوفر على أرض الواقع جانب هام من متطلبات وجود الإدارة الرشيدة، أكان ذلك في القضاء أم خارج السلك القضائي وفي شتى مجالات الإدارة العامة. هذا يأخذنا بالطبع إلى الإقرار بحقيقة ساطعة وهي أن الاعتماد على الرقابة وحدها لا يكفي. فالقاعدة الذهبية في علم وفن الإدارة أن الرقابة ليست بديلا عن حسن الإدارة. وفي الحقيقة، إن العمل الرقابي وحسن أدائه يأتي ليكون مكملا لحسن الإدارة من أجل التحقق من حسن الأداء. إن موروثنا الثقافي في هذا الشأن والذي سمحت لنفسي بتعديله جزئيا يقول: "أعط خبزك للخباز وراقبه حتى لا يأكل نصفه". ففي البداية، يأتي وفي الأولوية اختيار الإدارة ذات الكفاءة. فإذا لم تتوفر الادارة الكفؤة والماهرة والجديرة والحيادية التي ولاؤها للدولة وللصالح العام وغير المستتبعة من قبل الأحزاب والميليشيات والطوائف والمذاهب، فإنه لا يمكن أن يستقيم حال الإدارة. وبالتالي لا تستطيع تلك الإدارة أن تقوم بعملها بشكل كفؤ وفعال. وفي المحصلة لا يحصل المواطنون على ما يسمى بالإدارة الرشيدة.
وأشار الى "اننا في لبنان، لم يعد بإمكاننا التقدم من دون التزام ينعكس باعتماد برامج جدية وحقيقية في مجال الإصلاح والتطوير والتلاؤم مع التحولات والمتغيرات الجارية عندنا ومن حولنا وفي العالم. وهذا امر كان يجب أن ننجزه سابقا وقبل سنوات طويلة. والحقيقة المؤلمة أن تلك التوجهات والبرامج الإصلاحية التي وضع أكثرها وقدم مرات ومرات في السابق حالت دون تنفيذه وتحديدا على مدى العقدين الماضيين قوى واعتبارات مختلفة. ذلك مما ضيع على اللبنانيين فرصا ذهبية نادرة كان ممكنا لهم خلالها مباشرة الإصلاح والتلاؤم الصحيح في الوقت والاندفاع المناسبين، والذي كان يمكن لو حصل ان يتيح للبنان واللبنانيين تحقيق نقلة نوعية في معالجة شؤونهم الوطنية والعامة. حال التقاعس والتردد وعدم المبادرة الذي ساد أدى عمليا إلى حال الارتباك والتخبط التي نعاني منها اليوم في عملية مواجهة هذا الكم الكبير من التحديات التي أصبحت تدق أبوابنا وبحدة في هذه الأيام. لم يعد من الممكن ان نستمر في التصرف اللامسؤول وبدون أي روادع في إدارة شأننا الاقتصادي والمالي والإداري. لم يعد ممكناً ان نستمر هكذا دون العمل على رفع مستوى وكفاءة وفعالية إدارتنا للشأن العام، ودون التحسب للنتائج، ودون التنبه للمخاطر القائمة والكامنة".
واعتبر ان "قواعد القيام بالإصلاح تقضي بأن تبادر إليه الحكومات عندما تكون بحاجة إليه ويكون بإمكانها عند ذلك القيام به. وبالتالي لا تؤجله إلى الوقت الذي تصبح فيه مجبرة على القيام به بفعل التحولات والتطورات المتسارعة. لأنه عندها يكون القيام بالإصلاح أمرا أكثر كلفة وأكثر إيلاما. والحقيقة المؤسفة أن هذا ما أصبحنا عليه. وهذا ما آلت إليه أمورنا الآن في لبنان. الآن وإن كنا قد تأخرنا أو تقاعسنا فذلك لا يعفينا من مواجهة إلحاح الحاضر لضرورة المبادرة إلى العودة إلى سلوك درب الإصلاح المطلوب من دون أي تأخير أو تردد أو تلكؤ بسبب دقة وخطورة الأوضاع التي نعيشها في هذه الفترة الحرجة. وقناعتي أن ذلك ليس مستحيلا، فقط المطلوب توفر الإرادة والالتزام والشجاعة والمبادرة والمثابرة. هذه المسيرة المظفرة يجب ان تتساوق مع جهد حقيقي من أجل التقدم على مسارات اعادة الاعتبار والاحترام للدولة اللبنانية ولسلطتها الكاملة غير المنقوصة والعادلة على جميع الأراضي اللبنانية".