عبرت البلاد مجموعة من الإستحقاقات المهمة في الأشهر التي تلت إنتهاء الشغور الرئاسي وتجاوزت المؤسسات مهلاً متعددة سياسية ودستورية وإدارية ولم يرتجف لأحدهم جفن.
فالمسؤولون في المواقع المختلفة يستندون ويراهنون على مجموعة من رجال القانون القادرين على إنتاج آراء وتفسيرات دستورية غب الطلب توفر لهم الغطاء الكافي لتجاوز كل هذه المهل والإستحقاقات من دون أن يعيروها الأهمية التي تستحق. فالبدائل موجودة والمخارج متوافرة.
من هذه النقطة بالذات يقارب عدد من الديبلوماسيين الأوضاع في بيروت فينظرون الى الإستحقاقات الكبرى بمواعيدها فلا يرون مَن يلتزمها، فيلجأون الى مَن يشرح لهم ما يسمّونه «الفرادة اللبنانية» التي تبرّر المحظور وتسمح بما يخالف القانون والدستور في إطار ما يسمونه «الديموقراطية التوافقية».
وهي نموذج لم تعشه أيّ دولة متقدمة في العالم. فلا يسجل لأحدهم انه ارتكب «دعسة ناقصة» أو تخطى حاجزاً طالما أنّ الجميع مشاركون في الجرم فيتساوون امام القانون واللبنانيين.
لا بل فهم يعزّزون اوضاعهم عندما يبرّرون لبعضهم الأخطاء والممارسات الشاذة، فيتبادلون الصفح والتفاهمات على حساب المؤسسات والأشخاص والقانون وانظمة المجتمع وآلية العيش فيه. فيبدو المستغرب والمستهجن أن يلفت أحدهم النظر الى أيّ خرق دستوري أو خطأ ثابت للعيان، فتُكال له التهم من كل حدب وصوب.
على هذه القواعد الشاذة حُكِمت البلاد لعقود من الزمن سمح فيها لفئة من المسؤولين أن تؤسس لنفسها آلية عمل وخريطة طريق خارجة عن المألوف، فتتجاهل الإرتكابات حتى في ما يتصل بتوفير انبثاق أو انتقال آمن للسلطة وتداولها. فتسرع الخطى أحياناً الى المراد، وتتجاوز التطورات كثيراً من البوابات الإجبارية إذا ما اعاقت الطريق الى الأهداف المرسومة بدقة وعناية.
والمؤسف، حسب العارفين، أنّ هذه الامور لا تظهر اهميتها في حينه، وإن ظهرت عيوبها المخيفة، فبدلاً من أن يحاسب المسؤول عنها ترى مَن يقف الى جانبه للتفسير والتبرير ولتوفير المخارج. وذلك تأسيساً على ما يمتلكه البعض من صلاحيات استنسابية واستثنائية تبرّر له المحظور وتسمح بارتكاب المخالفات أيّاً كان حجمها في أجواء اقل ما يُقال فيها إنها ليست طبيعية ولا تحتمل أيّ تفسير أو تبرير آخر.
على هذه القواعد ينتظر اللبنانيون نتائج ما قُطع لهم من وعود في خلال اسبوع ونيف. قيل إنها ستحمل المخارج للمشكلات المطروحة أيّاً كانت المواقف منها وحجم الإنقسامات في شأنها. فمتى توافرت مصالح مجموعة من أهل الحكم يصبح ما يريدون مبرَّراً، وإن كان مخالفاً فهو يُدرج على لائحة الإنجازات التي تستحق التقدير.
ومن هنا تُقاس الخيارات المقبلة، وتتعدد الأسئلة حول إمكان تنفيذها كلها. فالأسبوع الأخير من آذار الجاري ونيسان المقبل بات حافلاً بالمواعيد الإستثنائية التي يمكن من خلالها إقفال الملفات الأكثر صعوبة وهي التي كلفت اللبنانيين وشغلتهم لسنوات من دون أن يتمكّنوا من معالجتها فكيف يمكن عبورها في شهر كامل هذا إذا لم تنجح الرهانات على تقصير المهل.
الجميع يعرفون أنّ على النار، سعياً الى مشروع قانون جديد للإنتخابات الذي استعاد الصدارة بعد فشل المجلس النيابي في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وعجز عن توفير المخارج الممكنة لإمرار الموازنة، فوجد مَن يبدي استعداداً دائماً لتلقّف كرة النار نيابة عن الجميع. ثمّة مَن يعتقد أنّ وراء كل هذه النظريات مجرد مواعظ، لكنّ الحقيقة تُقال إنّ الشهرالمقبل يستحق أن يكون من بين الأشهر الأكثر شهرة في السنة الجديدة.
فهو متوقع أن يشهد مجموعة من الإنجازات الموعودة. فالموازنة العامة التي أُخضعت لقراءة ما قبل النهائية تنتظر الإحالة الى الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء متى تقرّر أنها ستكون في قصر بعبدا لتوقيعها وإحالتها قانوناً الى المراجع المختصة لتكون نافذةً دستورياً لحظة نشرها في الجريدة الرسمية.
وفي لائحة وعود نيسان، موعد مع البتّ بقانون الإنتخاب في مهلة أقصاها منتصفه ما يعيد إحياءَ المهل الهالكة بعد إعادة النظر فيها تمهيداً لإجراء انتخابات عادلة ومتساوية شكلاً ومضموناً. وتوازياً وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يكون نيسان أيضاً شهر سلسلة الرتب والرواتب ووسائل تمويلها.
ولا يخفى على أحد الحاجة الى توافق واسع ومفقود لعبور هذه المحطات. وعليه يعتقد المراقبون أنّ لبنان، وإن تجاوز مطبات القمة العربية نهاية هذا الشهر السياسية والديبلوماسية على مستوى إعادة ترميم علاقاته مع دول الخليج العربي خصوصاً، والعرب عموماً، فإنّ العالم سيقدّر عالياً قدرته على تحقيق الإنجازات الطموحة.
ولذا ترى المصادر أنّ لبنان الرسمي إذا نجح في تسجيل هذا الموقف الموحّد في القمة العربية وترجمه في الداخل توافقاً مع الثنائي الشيعي وحزب الله منه تحديداً، فإنّ ذلك يؤشر الى احتمال ترجمة هذا التوافق في مشاريع نيسان المقبل مهما كان حجمها، وإلّا فالعكس صحيح ومحتمل.
وعندها يمكن القول إنّ نيسان سيكون شهر الإنجازت المنتظرة في السلسلة والموازنة وقانون الإنتخاب بدلاً من أن يعيد اللبنانيون ذكرى يومه الأول في كل استحقاق لبناني فيكون شهر «الكذبة الكبيرة» التي تنعى احتمال بناء دولة تمهيداً لإستعادة وطن.