من الطبيعي أنه في بلد مثل لبنان يفتقد إلى إستراتيجية واضحة المعالم حول الميزان التجاري بين الصادر والوارد ويلجأ إلى اعتماد مبدأ المصاريف خارج إطار الموازنة.
ومع غياب الخدمات الإجتماعية والتقديمات الحياتية للمواطن التي تخفف من وطأة التكاليف والاعباء الملقاة على عاتقه كالطبابة والسكن والتعليم، أن يرى هذا المواطن في أي ضريبة جديدة هي إجحاف في حقه وعلى الشعب أن يعترض عليها ويرفضها سيما وأنها تزيد من ضائقته المالية دون أي مقابل.
فـالدولة اللبنانية وبعد مضي 12 سنة لم تكلف نفسها عناء وضع موازنة عامة للبلد وقطع حساب لمداخيله ومصاريفه ومع الشكوى من أعباء الدين العام الذي يتراكم سنويًا وتزداد خدمته سنة عن سنة ومع الفساد المستشري في الكثير من مؤسسات الدولة ودوائرها ومع ازدياد ظاهرة هدر المال العام دون حسيب ورقيب ومع ارتفاع معدل البطالة وتفاقمها في الأوساط الشعبية والتي تدفع بالكثير من الشباب اللبناني إما إلى الهجرة أو الى سلوك سبل غير شرعية وخارجة على القانون لكسب لقمة العيش ومع إتساع الفوارق الطبقية بين طبقة فاحشة في الثراء والغنى وتكديس الأرصدة وطبقة معدومة وتحت خط الفقر تكابد وتعاني للحصول على ما تقتات به ويسد رمق أبنائها.
إقرأ أيضًا: الثقة المفقودة بين الحاكم والمحكوم
فليس غريبًا - والحال هكذا - أن ينتفض الشارع بعفوية ضد أي قرار تتخذه الحكومة له علاقة بفرض ضرائب حتى وإن ادعت بأنها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب التي يستفيد منها فقط شريحة من المجتمع فيما باقي الشرائح ملزمة بدفع الضرائب دون أن ينالها شيء منها.
والمثير للسخرية وربما للإشمئزاز أحاديث المسؤولين من وزراء ونواب وغيرهم من باقي أفراد الطقم الحاكم وخلال اطلالاتهم الإعلامية وهم يعبرون عن رفضهم المس بلقمة عيش الفقراء في سياق تبريراتهم للضرائب وعن شعورهم بمعاناة الغالبية العظمى من الشعب اللبناني، مع أن الأربعة ملايين لبناني يدركون جيدا أن الممنوع في هذا البلد ليس المس بلقمة الفقير وإنما الممنوع والذي يعتبر من المحرمات والذنوب الكبيرة هو المس بالارصدة الخيالية المكدسة في البنوك الداخلية والخارجية الخاصة بأهل الحكم، والممنوع أيضًا هو السؤال الكبير والمشروع الموجه لأصحاب الثروات المتضخمة من أين لكم هذا؟ طبعًا هذا ليس من فضل ربي.
ومشكلة البلد معروفة ولكن أحدًا لا يريد أو لا يستطيع أن يوجه البوصلة باتجاه هذه المشكلة.
إقرأ أيضًا: الإصلاح قبل فوات الأوان
فالشعب اللبناني يعرف أن خزينة دولته فارغة، ومن الصعوبة بمكان إقرار سلسلة الرتب والرواتب في ظل هذه الطغمة المتسلطة دون فرض ضرائب لم يعد بمقدوره تحملها، وبالتالي ليس لها مردود إيجابي عليه.
لذا فالمشكلة تكمن بإنعدام ثقة المواطن بهذه الطبقة السياسية الفاسدة. فدول العالم كله تعتمد على الضرائب كبند أساسي من مصادر الدخل لتمويل الخزينة، ولكنها تعيدها للشعب بوسائل غير مباشرة وعن طريق الخدمات والتأمينات الإجتماعية وخاضعة لأجهزة رقابة وتفتيش ومحاسبة.
أما في لبنان فإن الضرائب تذهب إلى جيوب المتنفذين من القوى السياسية والحزبية والمحاسيب والازلام بالتحايل على القانون كالصفقات المشبوهة والسمسرات والرشاوى والهيمنة على المرافق العامة والإحتكار والإستغلال وإلى كل ما تطاله أيديهم - وعلى عينك يا مواطن - ومع ذلك فانهم يتباكون على الواقع المزري الذي آلت اليه أمور البلد الإقتصادية والإجتماعية والمعيشة، أما ما كدسوه من ثروات طائلة وما تمتعوا به من خيرات البلد وما تنعموا به على حساب الوطن والمواطن فهو من المحرمات الممنوع الاقتراب منها والمس بها.