بعد تبدّلات جذرية في موازين القوى الداخلية والإقليمية، يعتقد الرئيس سعد الحريري بأن العودة إلى المنظومة الأمنية التي تم تركيبها بعد 2005 قابلة لإعادة إنتاجها في 2017. محاولات الحريري إحداث تغييرات في مفاصل أمنية، من بينها أمن المطار، لا يبدو أنها ستمرّ عند الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي
تنشط الاتصالات السياسية لاحتواء العاصفة الأمنية التي أطلقها رئيس الحكومة سعد الحريري في أكثر من اتجاه، بما يوحي بعودته إلى مناخات عام 2005. فرئيس الحكومة يصرّ على إجراء تعيينات وتشكيلات في عدد من الأجهزة الأمنية، بما يتناسب ورؤيته السياسية، وهي رؤية تستوجب الحذر من قبل قوى عديدة في الدولة، وسط خشية من محاولة فريق الحريري توفير خدمات إضافية لأجهزة أمنية إقليمية ودولية في مرافق حساسة.
وبعد إصرار الحريري على تعيين ضباط موالين له في مناصب حساسة في جهاز أمن الدولة وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، باشر المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إجراءات من شأنها تفجير أزمة وطنية كبرى. وفي معلومات «الأخبار» أن عثمان أصدر قراراً بتعيين ضابط من آل حجار في منصب حساس في جهاز أمن المطار، وفَرَض تغييرات في إدارة العمل اليومي للجهاز، بما يخضعه لسلطته المباشرة. كذلك حصر العمل الأمني الوقائي بقوى الأمن من خلال طلب فتح مكتب خاص لفرع المعلومات في منطقة الشحن، بحجة التثبت من عدم وجود عمليات تهريب لـ«أسلحة غير شرعية إلى لبنان».
وتشير المعلومات إلى رفض الرئيسين ميشال عون ونبيه بري الحازم لفرض هذه التغييرات. وعُلم أنه طُلب إلى الضباط المعنيين في الأماكن المستهدفة عدم الاستجابة لطلبات الحريري أو عثمان، بالتزامن مع تمسّك حركة أمل وحزب الله بتسمية الضابط الذي سيشغل منصب المسؤول عن الأمن العسكري في فرع المعلومات.
على صعيد آخر، بوشرت اتصالات سياسية للتوافق على تعيين مدير جديد للاستخبارات مع الفريق المفترض به مساعدته في المركز الرئيسي ورؤساء أفرع الجهاز في المناطق.
وعلم أن القرار يقضي بتعيين ضابط من دورة عام 1986 في المنصب، ما يجعله من رتبة أدنى من رتبة قائد الجيش العماد جوزف عون، وهو أمر يتعلق بالتراتبية ومناخ الإدارة في المؤسسة العسكرية. إلّا أن هذا التعيين سيدفع بعدد إضافي من العمداء من دورات عام 1985 وما دونها إلى مغادرة المؤسسة العسكرية، أو وضعهم في تصرف قائد الجيش إلى حين موعد تقاعدهم.
وفي مجال التعيينات أيضاً، طلب الرئيسان عون والحريري من وزير الخارجية جبران باسيل مباشرة العمل لإصدار تشكيلات دبلوماسية معلقة منذ فترة، والتقدم بمقترحات من خارج الملاك لتعيين سفراء لبنان في العواصم الكبرى.
وعلى صعيد أزمة قانون الانتخاب، نفت مصادر قصر بعبدا ما نشرته «الأخبار» أمس عن رفض رئيس الجمهورية للنسبية الكاملة، وأكدت أن الأمر «عار من الصحة».
وعلمت «الأخبار» أن اللقاءات بين الفرقاء ستستأنف اليوم بعد انقطاع أيام، بسبب زيارة الحريري لمصر ومشاركة وزير الخارجية في اجتماع دول «التحالف الدولي ضد داعش» في واشنطن، على أن يمثل النائب آلان عون التيار الوطني الحر في غيابه.
ولا يزال نوّاب التيار ومصادره يؤكدون أن قانون انتخاب يعتمد على اقتراح باسيل الأخير قد يخرج إلى النور في وقت قريب، و«ربّما خلال عطلة نهاية الأسبوع».
وفي تفاصيل القانون أن 69 مقعداً يتمّ انتخابها على أساس «أكثري أرثوذكسي» (المسلمون ينتخبون المسلمين والمسيحيون ينتخبون المسيحيين)، بدوائر متوسطة، على الشّكل الآتي: دائرة طرابلس ــ الضنية، دائرة عكار، دائرة زغرتا ــ الكورة ــ بشري ــ البترون ــ المنية، دائرة بعلبك ــ الهرمل، دائرة زحلة، دائرة البقاع الغربي ـــ راشيا، دائرة مرجعيون ـــ حاصبيا ـــ النبطية ــ بنت جبيل، دائرة صور ــ الزهراني، دائرة جزين ـــ صيدا، دائرة الشوف ـــ عاليه، دائرة المتن ـــ بعبدا، دائرة كسروان ـــ جبيل، دائرة بيروت أولى ــ بيروت ثانية، ودائرة بيروت الثالثة لوحدها. وينقسم النواب 69 بين 35 مسيحياً و34 مسلماً، مع طرح اعتماد المسيحيين كتلة واحدة واعتبار المسلمين عدّة مذاهب.
أما القسم الباقي من النواب، أي 59 نائباً، فيتوزعون بين 30 مسلماً و29 مسيحياً، وينتخبون على أساس النسبية في خمس دوائر هي المحافظات التاريخية (البقاع وبيروت والشمال والجنوب وجبل لبنان). ويلحظ القانون اعتماد الصوت التفضيلي للمرشّح من القضاء نفسه وليس من المحافظة، أي على أساس الدوائر المتوسّطة التي تنتخب على أساس «الأكثري الأرثوذكسي». وهذا يعني أنه لا يمكن الناخب في راشيا إعطاء صوت تفضيلي في دائرة البقاع لمرشّح من بعلبك، بل من دائرة راشيا ــ البقاع الغربي فقط. بمعنىً آخر، تفريغ النسبية من معناها وتحويل العنوان إلى أداة تخدم الفرز الطائفي والمذهبي والديموغرافي. وفيما لا يزال العونيون يصرّون على أن هذا القانون هو الأكثر حظّاً، يؤكد أكثر من مصدر في التيار أن «القانون يحظى بموافقة تيار المستقبل وحركة وأمل على عكس ما يقال في الإعلام». ويبدي العونيون انفتاحهم في البحث عن تعديل في دائرة زغرتا ــ الكورة ــ بشري البترون ــ المنية تلبيةً لرغبة حزب الله وأمل بعدم تهديد النائب سليمان فرنجية، ويشترطون في المقابل أن «يتمّ تطبيق هذا الأمر على المعايير المشتركة في الدوائر الأخرى». كذلك يضعون شرطاً آخر غير قابل للنقاش، وهو الرفض المطلق لتحرير الصوت التفضيلي، أي حصر حقّ الناخب بإعطاء صوته التفضيلي لمرشّح من القضاء وليس من المحافظة أو الدائرة الكبيرة.