حتى أن العنوان الكبير لهذه العلاقات الذي جسّده التفاهم التاريخي بين الجانبين عام 2006 والذي ينطلق من المساكنة بين سلاح المقاومة وبين مشروع الدولة لم يعد في وضع صحي. واليوم جاء موضوع الانتخابات النيابية ليزرع لغما كبيرا على طريق هذا التفاهم وهو لغم على ما يبدو حتى الآن عصيّ على التفكيك، فما هي القصة؟
في معلومات لـ"النهار" من اوساط نيابية ان نصرالله عندما أطل في 18 آذار الحالي وقال عن قانون الانتخاب "ان الوقت قد ضاق واللعب على حافة الهاوية بات خطيرا" لم يكن بعيدا عن استشعار الخوف من السقوط في هاوية الفراغ النيابي في وقت قريب جدا. ووفق هذه الاوساط فإن توجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى السعي للتمديد التقني للمجلس قبل 17 نيسان المقبل، محسوب بدقة وهو آت بعد مشاورات بعيدة عن الاضواء لا سيما بين بري ونصرالله. وفي هذه المشاورات، برز تخوّف جدي من لجوء الرئيس عون الى الدستور لكي يقفل الباب على أية محاولة للتمديد للبرلمان بما يؤدي الى زلزلة الركن الشيعي في السلطة وهو أمر يمثل "الخط الاحمر" بالنسبة للثنائي ومن غير المسموح تجاوزه تحت أي اعتبار.
هناك من أبلغ الرئيس بري قبل أسابيع أن يقرأ نص المادة 59 من الدستور التي تقول: "لرئيس الجمهورية تأجيل انعقاد المجلس الى أمد لا يتجاوز شهرا واحدا وليس له أن يفعل ذلك مرتيّن في العقد الواحد". وفي حساب لمفاعيل هذه المادة تبيّن لرئيس المجلس ان عدم التمديد للبرلمان، مهما كانت اوصافه قبل 17 نيسان المقبل سيفسح في المجال امام استخدام عون صلاحياته في المادة 59 بدءا من 21 أيار ما يقفل باب التشريع النيابي لغاية 21 حزيران تاريخ إنتهاء ولاية المجلس الحالي. ويأخذ التمديد في الاعتبار صلاحية رئيس الجمهورية في عدم التوقيع على قانون التمديد لكن مفعول ذلك يبطل في أيار عندما يعيد البرلمان تأكيد القانون ليصبح نافذا حكما مهما كان موقف عون منه.
وفي الاطار الدستوري أيضا، هناك قراءة نيابية جارية للمادة 55 من الدستور والمتعلقة بحق رئيس الجمهورية الطلب الى مجلس الوزراء حلّ مجلس النواب قبل انتهاء الولاية النيابية. ولو فرضنا أن هذا الطلب قد سلك طريقه الى التنفيذ فهناك في المادة ذاتها الفقرة التالية: "في حال عدم إجراء الانتخابات ضمن المهلة المنصوص عنها في المادة الخامسة والعشرين من الدستور (ثلاثة أشهر) يعتبر مرسوم الحلّ باطلا وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقا لأحكام الدستور".
السؤال البديهي الذي يطرحه أي مراقب: ماذا يفيد الرئيس عون أن يواجه "حزب الله" في مسألة المؤسسة التي تعود رئاستها الى طائفة الحزب؟ قبل الجواب يمكن العودة الى ما سمعه وفد الحزب التقدمي الاشتراكي عندما زار رئيس "التيار الوطني الحرّ" الوزير جبران باسيل. فقد قال الاخير للوفد: "لقد انتظرنا أكثر من سنتين كي يصل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، ونحن مستعدون للانتظار سنوات كي يأتي قانون الانتخاب الذي نوافق عليه". وفي قراءة لهذا الجواب، يقول خبراء ان عون يريد أن يسجل موقفا يعتبره تاريخيا في التمثيل النيابي المسيحي على قاعدة توسيع حجم هذا التمثيل بأصوات الناخبين المسيحيين فقط. ووفق هؤلاء فإن رئيس الجمهورية وبتفاهم مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" يريد ان يصل الى البرلمان خمسون نائبا على الاقل بأصوات الناخبين المسيحيين الامر الذي يعتبره الخبراء منح العهد قدرة التحكم ليس بالبرلمان فحسب بل بالحكومة أيضا وتحديد هوية الرئيس المقبل للجمهورية.
يستفاد مما سبق، ان الرئيس عون يريد إنجازا سياسيا يترجم مقولة "الرئيس القوي" آخذا في الوقت نفسه مصلحة حليفه "حزب الله" فأطلق قبل أسابيع الموقف المثير للجدل حول سلاح الحزب.لكن حسابات حقل عون لم تصحّ على بيدر نصرالله. ففيما كانت نوايا رئيس الجمهورية صادقة في شأن سلاح الحزب، كانت النتيجة عكس المرتجى بعد ردود الفعل التي وصلت الى مجلس الامن الدولي حيث بدأت هناك بوادر موقف أميركي قيد التكوّن قد يصل الى حد تهديد بقاء قوات "اليونيفيل" في الجنوب بعد وقف تمويلها وهو أمر آخر ما كان يتمناه "حزب الله".
أما مقايضة عون تأييد سلاح "حزب الله" بالحصول على ما يريده في قانون الانتخاب فلا يبدو انها ستنجح. وفي آخر جولات البحث سجّل "حزب الله" أربع ملاحظات على مشروع باسيل فيما سجّل ممثل الرئيس بري الوزير علي حسن خليل إحدى عشرة ملاحظة بما يعني ان لا قانون جديد يلوح في الافق.
باختصار صحة التفاهم بين عون ونصرالله في خطر والسؤال كيف يتداركان زواله؟