حتى الآن، لا يزال الأفق الانتخابي مسدوداً. الصورة قاتمة، والوقائع تشير إلى أن لبنان مقبل على أزمة سياسية ودستورية، في ظل تباعد المواقف في شأن وضع قانون انتخابي جديد، وحتى في شأن آلية التعاطي مع الوضع بحال عدم إقرار القانون. ولكن، هناك أربع قواعد لا أحد يستطيع القفز فوقها، وهي أصبحت ثابتة. لا للتمديد، لا للفراغ، لا لقانون الستين، وأي قانون جديد يجب أن يحتوي على النسبية بشكل لا بأس به. تحت هذا السقف الواسع، اللعب مسموح، لكن عملياً، لا أحد يمتلك مفتاح الحلّ، إنما تنازل بسيط من كل طرف، قد يأتي بالنتيجة المبتغاة.
القواعد الأربع تقود إلى خلاصة تفيد بأن هناك صعوبة في اجراء الانتخابات في موعدها. وهذا ما يعارضه رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يرفض توقيع أي مرسوم يتعلّق بالتمديد لمجلس النواب. عليه، تشير مصادر متابعة إلى خيارين، الأول وهو مطلب رئيس الجمهورية بأن تسيّر هيئة مكتب مجلس النواب الأمور البرلمانية إلى حين اجراء الانتخابات، وهذا ما يرفضه بشكل قاطع رئيس المجلس نبيه بري. والخيار الثاني هو اعتبار بري أن لا شيء إسمه الفراغ في السلطة التشريعية، لأن كل السلطات تنبثق منها، وبما أن لبنان نظام برلماني، لا يمكن استمرار عمل المؤسسات في ظل غياب السلطة التشريعية. لذلك، فإن الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً وقتها، هو إقرار تمديد تقني للمجلس، لمدة ستة أشهر، ريثما يتم التوصل إلى قانون جديد.
وفي موازاة المشاورات الجارية بشأن القانون الجديد، علمت "المدن" أن مشاورات حانبية تجري بين مختلف القوى، بشأن ما سيتم اللجوء إليه لتجنّب الفراغ، خصوصاً في ظل الرفض المتشدد لدى الثنائي الشيعي لمثل هذا الفراغ في مجلس النواب. وتشير المصادر إلى أن حزب الله يسعى لإقناع رئيس الجمهورية بضرورة السير بالتمديد التقني. وعلمت "المدن" أن عون يبدي ليونة ازاء ذلك، لكنها مشروطة بأن يستخدم في إقتراح قانون التمديد كلمة تقني، بالإضافة إلى إدخالها في أحد بنود قانون الانتخاب العتيد، خصوصاً إذا ما أقر قبل 20 نيسان المقبل.
وفيما أكد بري أن السلسلة ستقرّ قبل أواخر نيسان، اعتبر أن عدم إقرارها هو إفقار، فيما عدم إقرار قانون للانتخابات هو إنتحار. وقد بدأ بري العمل لأجل إنتاج القانون الجديد في أسرع وقت، عبر قيادته إتصالات مع كل القوى. ولا تخفي مصادر متابعة أن بري وحزب الله يتمسكان حتى النهاية بالنسبية الكاملة، لأنها ترضي الجميع وتراعي حقوق القوى وتعطي كل ذي حق حقه وحجمه. وترد المصادر تمسّك الحزب وحركة أمل بالنسبية الكاملة، إلى وجود إشارات لديهما باستعداد تيار المستقبل للقبول بها، خصوصاً بعد نصائح وجهت إلى الحريري بضرورة دراسة هذا الاحتمال لأنه يفيده جداً على الصعيد الوطني ولا يؤدي إلى خسارته، بل يحقق له النتائج التي يريدها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى النائب وليد جنبلاط.
وتلتقي الأفرقاء الأربعة على عدم السماح للثنائي المسيحي بالحصول على ثلث مقاعد مجلس النواب. بالتالي، إحداث تغيير ضمني في إتفاق الطائف. لذلك، جرى تبادل الأدوار في رفض أكثر من صيغة جرى طرحها من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، واعتبرها "الرباعي" أنها مفصّلة على مقاسه، وفيها إجحاف لحقوق الآخرين.
لكلٍّ أسبابه من خلف ذلك: تيار المستقبل لا يريد تغييراً ضمنياً لإتفاق الطائف، جنبلاط يرفض أن يكون الثنائي المسيحي هو القادر على لعب دور تقريري وحده في لعبة التوازنات داخل مجلس النواب، والأمر نفسه بالنسبة إلى الحزب والمستقبل وأمل، فيما أمل وحزب الله يرفضان تهميش أي من حلفائهما المسيحيين وخصوصاً تيار المردة الذي يسعى باسيل إلى تحجيمه وإلغائه. وهذا ما تجلى في كل صيغه المقترحة عبر ضم زغرتا إلى البترون وبشري، في محاولة لضرب فرنجية انتخابياً. فيما الحزب يفضل ضم زغرتا والكورة ضمن دائرة واحدة. وهذا ما يعزز فرص فرنجية.
وتشير المصادر إلى أن الحريري قد يقتنع بالنسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة، استناداً إلى أرقام لوائح الشطب، وإلى التحالفات التي سيبرمها، والتي ستحقق له نتائج جيدة. ولكن المصادر تكشف عن شرط يضعه الحريري للقبول بهذا القانون، وهو التحكم بعتبة النجاح، أي بنسبة عالية نسبياً، وغير منخفضة تتيح لأي كان الفوز، وتعطي المصادر مثلاً على ذلك، بأن تكون عتبة الفوز هي حصول المرشح على 20% من نسبة الأصوات، بدلاً من 10%.
إن تحقيق المستقبل نتائج مقبولة ومرضية، بالإضافة إلى تجنّب دخول البلاد في أزمة دستورية قد تعيد السماح للبعض بطرح مسألة عقد مؤتمر تأسيسي جديد، وعدم السماح للقوى المسيحية بالحصول على ثلث مقاعد مجلس النواب، بالإضافة إلى تكرار حزب الله سيناريو الانتخابات الرئاسية، عبر وضع معادلة إما النسبية أو لا قانون، أمور قد تدفع الحريري إلى الموافقة على النسبية الكاملة.