في المعلن من المواقف السياسية، رفض جميع القوى السياسية المعنية بقانون انتخاب جديد حصول فراغ على مستوى مجلس النواب في ٢١ حزيران ٢٠١٧، موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. وفي المعلن من المواقف أيضا، إصرار الجميع (القوى الأساسية) على التأكيد بقرب التوصل الى قانون انتخاب جديد في وقت قريب، على أساس قبول جميع القوى بمبدأ النسبية الكاملة، بعدما سقطت مشاريع القوانين الانتخابية المختلطة، واستحالة القبول بالذهاب الى صناديق الاقتراع على أساس قانون الستين!
هذا من ناحية المواقف المعلنة. لكن ماذا عن الواقع؟ أولا، القول إن الاتفاق على مشروع قانون انتخاب جديد يبدو مبالغا فيه، وخصوصا أن أفرقاء وازنين مثل "حزب الله" يدفعون في اتجاه إقرار قانون على أساس النسبية الشاملة، التي من شأنها اذا ما أقرت وضع جميع القوى السياسية بمن فيهم "التيار الوطني الحر" الذي يقدم نفسه حامي حقوق المسيحيين، تحت رحمة قوة انتخابية كبيرة متماسكة يمكنها اذا ما جرت انتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة، أن تتحكم في القوى والأحجام في مختلف البيئات! ولعلّ من المقلق بالنسبة الى القوى السياسية الكبيرة من غير الشيعة سماع الامين العام لـ"حزب الله" يتحدث في إطلالته الاخيرة عن ضرورة عودة البعض الى أحجامهم الحقيقية، وكأنه بكلامه هذا يوجه رسالة تحذيرية مبطنة الى البعض، ولا سيما الى كل من "تيار المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي، مفادها أن حجمهما النيابي الحالي مبالغ فيه ولا بد من القبول بتحجيم معين. وهو يوجه رسالة اخرى الى حزب "القوات اللبنانية" مفادها انه يبالغ في تقدير حجمه الحقيقي انتخابيا، وبالتالي ممنوع عليه اعتبار نفسه موازيا لـ"التيار الوطني الحر" مهما كانت الاعتبارات المسيحية. وعلى مستوى آخر، يمكن القول ان "حزب الله" بدفعه في اتجاه اعتماد قانون انتخابي يقوم على النسبية الشاملة، يمارس سياسة تقوم على ربط كل الاطراف ولا سيما المتخاصمة والمتنافسة في ما بينها به، كأن يربط "التيار الوطني الحر" بتحالف مثلما يربط "تيار المردة"، ويعمل على استمالة المستقلين من المسيحيين، وهم متضررون من تحالف "التيار الوطني الحر" مع "القوات" الذي يشيع مناخات يعتبرونها (عن حق او عن غير حق) إلغائية. ومثل هذا يحصل في البيئة الدرزية، حيث "يبارك" الحزب المذكور توريث تيمور جنبلاط في المختارة بحضور لا بأس به، بعدما "بارك" استعراض "تيار التوحيد" الكشفي في الجاهلية حضورا وتغطية وربما تمويلا! ولا ننسى "احتضان" الحزب للامير طلال ارسلان الذي يبقى رغم كل شيء قوة احتياطية في مواجهة الحزب التقدمي الاشتراكي! ومثل ذلك في البيئة السنية حيث يرفع "الفيتو" عن سعد الحريري للوصول الى رئاسة الحكومة، ويفتح معه حوار، ويشاع مناخ تقارب معه من خلال التعاون داخل الحكومة، وفي الوقت عينه لا يتغير واقع احتضان الغالبية الساحقة من المعارضين السنة لـ"تيار المستقبل"، من طرابلس الى البقاع الغربي وصولا الى بيروت وصيدا.
قالت لي شخصية سياسية مخضرمة بالامس، إن "حزب الله" لم يضيّع بوصلته يوما، ووجهتها الثابتة تغيير النظام اللبناني، إما من خلال انتخابات، وإما من خلال أزمة توصل الى مؤتمر تأسيسي!