في الكواليس الرئاسية والسياسية الضيقة يجري التداول بمجموعة مقترحات وأفكار يمكن أن تقود الى مشروع قانون جديد للإنتخاب في مهلة أقصاها منتصف نيسان المقبل إن لم يكن قبله بقليل.
فحصيلة المشاورات والمقترحات الجديدة، وخصوصاً تلك التي حملها الثنائي الشيعي في قراءتهما للمشروع الأخير لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أدّت الى نسفه بكامله وتوليد قانون جديد بعيد عما قال به ومعه سلسلة المشاريع السابقة التي تهاوت تباعاً، ما أهّله لأن يحمل صفة «القانون شبه النهائي».
وعليه، فقد أسقط المشروع الجديد الذي يخضع للنقاش الجدي الى غير رجعة، مفهومين أساسيين ارتكز عليهما مشروع باسيل الأخير الذي لم يحظَ سوى بموافقة «القوات اللبنانية». وهما:
- الأول، سقوط منطق التأهيل في المرحلة الأولى وفق ما سُمّي «القانون الأورثوذكسي» على خلفية الهواجس والمخاوف التي يمكن أن يتسبّب بها مثل هذا النظام المذهبي في بلد يخشى تفشي المذهبية التي نمت في عدد من المناطق اللبنانية، والتي يمكن أن تنتج موجات هستيرية مذهبية قد تتسبّب بـ«تسونامي» لا يعرف أحدٌ الى ما يمكن أن يقود اليه في بلد وضعت فيه كل الإمكانات المحلية والإقليمية والدولية لإبعاد هذه الكأس المرّة عن أبنائه.
- الثاني، سقوط مفهوم «القانون المختلط» بين النظامين النسبي والأكثري بـ«الضربة القاضية». فهو اعتبر بإجماع واسع الطريق الأقصر والبوابة المفتوحة الى الطعن امام المجلس الدستوري. فهناك عدد ممَّن يمتلكون هذا الحق أنجزوا مطالعاتهم التي تقود الى إبطاله. فهو مناقض لكلّ ما يقول به الدستور، وخصوصاً افتقاره الى مبدأَي العدالة والمساواة.
وعلى خلفية سقوط هذين العنصرين لم يعد ممكناً القانون الجديد أن يتحدث عنهما لأيّ سبب كان وفي أيّ ظرف تحت سقف الرعاية الدولية والإقليمية للملف اللبناني. وكل ذلك بهدف إبعاد الساحة اللبنانية عن أيّ مواجهة إسلامية - مسيحية كما عن المواجهة القائمة بين السنّة والشيعة على أكثر من ساحة عربية وإسلامية من سوريا الى العراق والبحرين وصولاً الى المملكة العربية السعودية على خلفية النزاع المفتوح على شتى الإحتمالات بين النظامين السعودي والإيراني.
والى هذه المعطيات، فقد كشف المتعاطون بسلسلة القوانين المطروحة أنّ الرئيس سعد الحريري كان أوّل مَن اقترب في اتجاه القبول بالنسبية الكاملة وقد تبلّغ اصدقاء له وقربيون من فريقه بهذه الخطوة التي سمحت بتقدم الطرح الذي أصرّ عليه الثنائي الشيعي في الفترة الأخيرة وهو ما لمّح اليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر السبت الماضي عندما تحدث عن عناصر جديدة تؤدّي الى إحياء اجتماعات «اللجنة الرباعية» وهو ما ترجمته الاجتماعات التي عُقدت في وزارة الخارجية منذ ليل الأحد - الإثنين أولاً ومن بعدها في وزارة المال و«بيت الوسط» وعين التينة قبل أن يفترق أطراف الرباعية نتيجة توزعهم ولأيام عدة ما بين اجتماعات اللجنة الوزارية اللبنانية ـ المصرية المشتركة في القاهرة وواشنطن في انتظار استئناف البحث في المشروع الجديد فور عودتهم جميعاً الى بيروت نهاية الأسبوع الجاري.
والى هذه المعطيات ففي الكواليس أنّ النقاش سيُستأنَف السبت المقبل من حيث وصلت الرباعية للبتّ ببقية بنود مشروع القانون الجديد. وهي تتعلق بتقسيم الدوائر الإنتخابية بصيغة جديدة ترفع من عدد الدوائر الإنتخابية لتتوسّع ولتكون «مرحرحة» لتستوعب الخصوصيات السياسية والحزبية التي لم تعد حكراً على الدرزية منها فحسب.
فللثنائي الشيعي ومعهما الحريري لائحة جديدة بالخصوصيات السياسية والطائفية. فأضافوا الى الخصوصية الدرزية ـ الجنبلاطية في عاليه والشوف أخرى مارونية لـ«المردة» في الشمال، وثالثة سنّية وكاثوليكية في البقاع الغربي وزحلة تراعي تمثيل القوى السياسية في هذه المناطق.
وعليه فقد ظهر جلياً وبنحو صريح أنّ المشروع الجديد عاد الى اعتماد التقسيمات التي قال بها مشروع الوزير مروان شربل الذي أُقرّ في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وسيأخذ بالحد الأقصى من الدوائر التي تحدث عنها الى حدود الدوائر الستة عشر وفق المقاربات التي أجراها القانون من 10 دوائر الى 16 دائرة تتّسع للمكوّنات السياسية كافة.
ولذلك يتوقع أن يُسقِط القانون الجديد كثيراً من مشاريع توسيع الكتل النيابية التي سعى اليها الثنائي المسيحي أولاً، وتحجيم ما هو قائم منها على الساحة المسيحية بالإضافة الى كسر الإحتكار السنّي الذي يطمح تيار «المستقبل» الى تجديده. فكثير من البيوتات السياسية لن تقفل بأيّ قانون، ومَن اعتقد أنه اتى بالعهد عليه ان يقبل اليوم ويقتنع بحجمه الطبيعي، فلا كتلَ «منفوخة» في المجلس الجديد.
وللعهد رعاته وليس لكل مَن صوّتوا له في ساحة النجمة مواقع متشابهة ومتوازنة، ومشاريع الإلغاء سقطت الواحد بعد الآخر، بدليل مشاريع القوانين التي باتت في سلة المهملات.