تحاول الأطراف كافة تجميع مزيد من الأوراق في سوريا. ليس فتح معركة دمشق خارجاً عن هذا المنطق، خصوصاً لدى وضعه في إطار ضغط المعارضة على النظام ومن خلفه إيران لإجبارهما على التنازل. وفي ضوء الإستعداد الروسي- التركي- الأميركي لإنجاح التسوية في سوريا حتى ولو لم تتضح معالمها بعد، إنما البحث فيها، لا يزال الطرف الإيراني يراهن على التصعيد الميداني، لتعزيز شروطه، وذلك ردّاً على محاولة تهميشه وتحجيم نفوذه في سوريا. وفي خضم ذلك، يكثر الحديث عن دور حزب الله في سوريا، في مختلف الدوائر الغربية، ودول عديدة تطالب سرّاً وعلناً بانسحاب الحزب من سوريا أو ضربه هناك.
الهدف بالنسبة إلى هؤلاء هو تحجيم حزب الله، بعد التوسع الذي أحدثه في نشاطه منذ دخوله إلى الحرب السورية، وفيما بعد إعلان أمينه العام السيد حسن نصرالله الدخول على خطّ الأزمة العراقية، سياسياً وميدانياً، إذ عمل حزب الله على إعداد مبادرة لإصلاح العلاقة بين الأطراف الشيعية العراقية، الذين عقدوا في بيروت قبل أشهر لقاءات مع نصرالله. أما ميدانياً فقد كان واضحاً إعلان نصرالله العمل العسكري الذي يخوضه الحزب في العراق عبر تدريب الحشد الشعبي. أما الأمر الذي استدعى حزماً أكثر تجاه الحزب فهو دخوله على خط الصراع اليمني وإعلانه أكثر من مرّة المشاركة في تلك الحرب. بالتالي، فإن الهدف بحسب ما يتحدث الغربيون، هو إنهاء دور حزب الله في سوريا، وإعادته إلى لبنان ليكون طرفاً سياسياً مثل القوى الأخرى. هذا الكلام المفرط بالتفاؤل يبنيه الغربيون على اعتبار أن الظروف الإقليمية والدولية هي التي سمحت للحزب أن يكون أقوى القوى في لبنان وأقوى من الدولة حتى، والآن الظروف الدولية والإقليمية ستكون مغايرة لذلك.
هذا من الناحية النظرية حتى الآن، أما من الناحية العملية، فتعتبر مصادر أخرى أن الحزب قوة أساسية موجودة بفعل الأمر والواقع، لا يمكن إلغاؤها على الأقل في المدى المنظور. وهو لن يتنازل عما وصل إليه. وإذا كان البعض يتحدث عن إنسحاب الحزب من سوريا، فهناك من يعتبر أن الحزب سيبقى موجوداً في نقاط مهمة وأساسية في سوريا، وأبرزها في العاصمة دمشق ومحيطها، القلمون، وحمص. وفيما هناك رفض دولي لأن يكون في الجنوب السوري وتحديداً في القنيطرة والجولان، إلا أن الحزب متمسك بذلك، ليبقى قادراً على التلويح بتهديد إسرائيل وتشكيل خطر عليها. وهذا ما تستفيد منه إيران في مفاوضاتها مع المجتمع الدولي.
ما بين الموقفين، يبرز عدم الوضوح الروسي ازاء ذلك. ففي وقت هناك من يعتبر أن موسكو وافقت على تحجيم الحزب وحصر رقعة انتشاره، بالإضافة إلى الإشراف على انسحابه من مناطق عدة في سوريا، هناك من يشير إلى أن هذا غير صحيح، وأقصى ما يمكن فعله، هو أن تراقب روسيا أداء الحزب وإجباره على مدى الإلتزام بوقف إطلاق النار في سوريا.
لا شك في أن الموقف الروسي أساسي في هذا المجال، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، ثمة من تحدّث عن موافقة روسية على ضرب الحزب ومنظومته القتالية. وفيما نفت موسكو ذلك، تبدو الوقائع الميدانية مغايرة، وهي تتجلى في الغارات الإسرائيلية المستمرة ضد الحزب، والتي لا يمكن أن تحصل بدون تنسيق روسي إسرائيلي.
وفي ظل ما يتسرب عن خطة أميركية مرتقبة لمحاربة الإرهاب وعلى رأسه تنظيم داعش، تلفت معلومات إلى أن التقديرات تلحظ عدم إمكانية إنهاء التنظيم إلا من خلال إنهاء أسباب وجوده. وبما أن التطرف يولّد تطرفاً مقابلاً، فهناك وجهة نظر خليجية تتطابق مع وجهة النظر الأميركية والتركية، بأنه لا يمكن القضاء على تنظيم داعش والتطرف السني بدون القضاء على التطرف الشيعي في المقابل. وهذا ما تربطه المصادر بكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن إيران مصدر أساسي للإرهاب. بالتالي، فإن أي حرب على الإرهاب ستكون إيران أو تقليص نفوذها وتحجيم حلفائها من ضمن أهدافها.
ليس هذا الكلام جديداً من الناحية العملية. فمنذ عهد الرئيس الأميركي جورج بوش مروراً بولايتي الرئيس باراك أوباما، كان الموقف الدولي والأميركي يركز على وجوب تحجيم نفوذ إيران ومنعها من وضع نفسها في مكان مقرر في منطقة الشرق الأوسط، لكن النتائج كانت تأتي دوماً عكسية، إذ استطاعت إيران التوسع أكثر، فسيطرت على العراق بعد الاجتياح الأميركي. وقد سمح الإنكفاء لها الأميركي في سوريا بالسيطرة على أجزاء واسعة منها، فيما لبنان حدّث ولا حرج. وفي اليمن فرضت نفسها طرفاً أساسياً على الطاولة. طوال السنوات السابقة، هددت إسرائيل أكثر من مرة بالقضاء على الحزب، وفي كل مرّة كان الحزب يخرج أكثر قوة ونفوذاً. والآن لا شيء يتغير، بحسب ما تعتبر مصادر قريبة من الحزب، لأن الثرثرة لا تصيب الأهداف، خصوصاً أن إيران لا يمكن أن تتنازل، لأن ضرب حزب الله يعني ضرباً لوجودها.