أحبّ قيادة الدراجة النارية في وطن زحمة السير الخانقة، حتى انه قضى على متنها، اوراقه قانونية، والمفاجئ انه اتخذ احتياطاته، الى درجة تفعيل التأمين الشامل لمركبته، قد يكون مفاجئاً ان يهوى ابن السبعين عاماً ركوب دراجة، لكن كلمات قليلة تختصر صفات بديع المير، كفيلة بكشف النقاب عن رجلٍ عشق الحياة. كان يعمل مديراً في شركات "الانترغال"، ومعروف بقيادته الشاحنات، لا يشكو امراضاً، ويتمتع ببنية جسدية جيدة كأنه ابن 18، لكن مصفاةً قابعة على اوتوستراد المتن السريع تحاملت عليه في غياب تأهيل سور الجسر، فانعطف عن مساره ليتجنب الوقوع في الجورة، واذا به يسقط من علو مرتفع، مما ادى الى مصرعه على الفور نتيجة اصابته في الرأس. وفي زمن مواقع التواصل الاجتماعي، صار متوقعاً ان "يزفّ" نبأ الوفاة عبر الانترنت، كسكين اخترق قلبه دون رحمة، علم عماد، نجل الراحل بديع، بالمصيبة التي حلّت بعائلته، بعدما شاهد صور والده على مواقع التواصل، وإذ به يهرع الى الشوارع بحثاً عن بصيص امل. عرف والده من ثيابه نظراً الى تشوّه الجثة.
"يجدر بنا الا نعترض على مشيئة ربنا، لكن ما حصل نتيجة حتمية لاهمال بلدية الجديدة ووزارة الاشغال، ونحن نتجه الى رفع دعوى ضدّ الجهات المعنية تحصيلاً لحقٍّ معنوي لـ"بطل العالم" بديع المير"، يقول صهر الفقيد حسين سعيّد، الحاددثة وقعت الساعة الثالثة بعد الظهر، وبعد اطلاع العائلة على مضمون كاميرات المراقبة لدى القوى الامنية، تبين أن المسافة التي تفصل بين السيارات والدراجة النارية كبيرة، وان ما من اصطدام حصل، بل ان سبب الحادث هو المصفاة الموجودة في منتصف الطريق، المضحك المبكي ان المعنيين قاموا باصلاح السور، تلقائياً بعد حادثة السقوط، رغم ان "النهار" كانت قد حذرت سابقاً من خطورة عدم تأهيل البنى التحتية على اوتوستراد المتن السريع، وتطرقت الى مسألة معالجة السور تحديداً، واذا به يفدي بروحه آلاف اللبنانيين الذين لا شك في انهم يمرون يومياً على الجسر نفسه، وان احداً منهم كان ليواجه مصير بديع، لو ان الحادثة نفسها واجهته قبل اصلاح الخلل، "لا نحتاج الى مال، ولدى عمي 4 سيارات في المنزل، لكنه يفضل الدراجة النارية لانه يهوى قيادتها وتجنب زحمة السير الخانقة"، يقول المير، متحدثاً عن صفات عمّه "الرجل الكريم الذي كان يستعد للترحيب بحفيده المنتظر الذي ولد في اليوم نفسه الذي رحل فيه جدّه، "جثمانه في المستشفى، وابنته تلد في غرفة العمليات، يا لها من مفارقة".
وفي سياقٍ متصل، أفاد مصدر امني "النهار" ان "المواطن بديع المير البالغ سبعين سنة، كان قد صعد من الطريق البحرية وراء "السيتي مول" الى جسر نهر الموت الذي يوصل الى بعبدات، وحصرنا أسباب الحادثة في عاملين اثنين، المصفاة المكسورة التي اعترضت سيره، ففوجئ بها مما ادى الى تعثّره وفقدانه السيطرة على مركبته"، ويتابع المصدر ان آثار المكابح واضحة في الطريق. ويروي ان الدراجة انزلقت من على الجسر واصطدمت بالحاجز الباطوني قاذفةً المواطن نحو الاسفل بسبب الفراغ في الحاجز، ويؤكد المصدر عدم حصول اي اصطدام بين السيارات والدراجة التي يقودها المير، وان الخوذة الواقية للحوادث كانت في حوزته لكنه لم يكن يضعها على رأسه، ولو انه فعل، لربما لم يؤد الحادث الى وفاته.
البلدية
لم تكن بلدية الجديدة على علمٍ بالحادثة، وعلمت بها عبر "النهار"، وهي تؤكد بشخص رئيسها انطوان جبارة انها لا تتحمل مسؤولية صيانة الجسر، بل ان المسألة ملقاة على عاتق مجلس الانماء والاعمار: "عمر الجسر 15 سنة، ولم نشهد اي حادثة مماثلة في السابق"، يقول جبارة، وكان من المفترض في رأيه، ان تبادر وزارة الاشغال الى اصلاح الفراغ في الجسر، وقد نبهتها البلدية الى ذلك قبل 3 أشهر من وقوع الحادثة، وتتشارك بلدية الجديدة حدود الجسر مع بلدية الزلقة، وفق جبارة الذي يؤكد ان الجسر ملكٌ عام لا يتبع للبلدية، وتالياً هي لا تتحمل اي مسؤولية عما حصل.
المفارقة ان الخلل عولج بعد وفاة بديع المير، قد يتساءل كثر عن مشهدية قيادة ابن السبعين سنة لدراجةٍ نارية، وينتقدها، وقد يرى آخرون انه كان عليه وضع الخودة الواقية للرأس بدلاً من وضعها الى جانبه، لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، أن الفراغ في سور الجسر هو السبب الذي ادى الى مصرعه، مما يعني ان ابن ثلاثين عاماً ما كان ليسلم من حادثٍ مماثل، وما يعني ايضاً ان خوذة الرأس ما كانت لتحمي مواطناً من سقوطٍ مماثل، ولكنها لربما حمت رأسه من صدمة الارتطام بالأرض. السور أصلح اليوم، والحمدلله، ويا للعجب، لو ان بديع انتظر يوماً واحداً اضافياً للمرور على الجسر، لكان ربما اليوم بيننا حياً يرزق، مهلاً! عذراً، لكان اليوم "ضحية الجسر" نفسه.