لقد بات واضحا أن ما بعد الإعتصام يوم أمس في رياض الصلح ليس كما قبله، إذ استطاع الحراك الشعبي أن يعود إلى الشارع مجددا ونجح، ونجح كثيرا في ارباك الطبقة السياسية الحاكمة بكل مكوناتها، كما نجح في دفع الكتل النيابية إلى التنصل مما أقدمت عليه في فرض الضرائب الجديدة، وبالتالي في إعادة هذا الملف إلى المناقشة من جديد، وهي النتائج الإيجابية الأولى للإعتصام.
لقد شكل هذا الإعتصام صدمة كبيرة على المستوى السياسي أصابت بتبعاتها كامل الطبقة السياسية التي خططت وأقرت السياسة المالية الجديدة، واعتمدت الضرائب لتمويل السلسلة كخيار بديل عن وقف الهدر والسرقات والمحاصصات والمكاسب والصفقات، وصولا إلى التمديد لمجلس النواب، هذا التمديد الذي أقرّ في الكواليس وينتظر من يحمله.
لقد ظنّت هذه السلطة أنها تستطيع تمرير هذه الصفقات المشبوهة على المستوى الشعبي والوطني، لكنها تفاجأت بحجم الإعتراض الذي أظهر إندفاعة قوية في التعبير عن الرفض والإعتراض فتشكّل التجمع الكبير في رياض الصلح كتعبير مدوّي على رفض حالة الإستهتار بالمواطن ومكتسباته المعيشية وحقوقه السياسية والدستورية.
إقرأ أيضًا: سعد الحريري وحيداً: الصادق الواضح وسط متلوّنين
لقد أيقن السياسيون أن هذا الشعب قد استفاق من كبوته في اللحظة المناسبة، وأن لعب الزعماء على تخويف الطبقات الإجتماعية من بعضها تحت مسمّى المذهب أو الطائفة أو الحزب قد ولّى، فأثبتت التظاهرات يوم أمس أنها فوق الطائفية والمذهبية والحزبية وأن ولاءها كان للوطن وحده .
وبالرغم من الحضور الواسع والتجمع الكبير يوم أمس، إلا أن طبقة من الشعب اللبناني ما زالت تحت تخدير الزعامة الطائفية والتعبئة والتبعية الحزبية إلا أن مصيرها أن تعلم ولو بعد حين أن لقمة المواطن وحياته المعيشية فوق المذهب والطائفة والحزب.
إذن نجح الحراك في تقويض الرغبة بضرائب جديدة، وأعاد الموضوع إلى دائرته الأولى، ونجح في استدراج رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الشارع في خطوة نادرة حيث استجاب لصرخات المتظاهرين وجها لوجه، وقد استطاع بمبادرة جريئة وغير مسبوقة ليقول: "الحكومة ورئيس الجمهورية إلى جانبكم وإلى جانب وجع الناس، صحيح أن هناك فسادا وهدرا لكننا سنحاربهما، أتيت إلى هنا لأقول لكم إن الفساد سننهيه، وسنكمل المشوار وهو طويل".
إقرأ أيضًا: أزمة جمهورية... سلطة فاسدة متحكمة ومعارضة تبحث عن ذاتها
وإذ كانت مبادرة الحريري جيدة وعبّرت عن شجاعة ومسؤولية حيث تصدى وحيدا لمعالجة الآثار التي ترتبت على إقرار الضرائب الجديدة، علما أن هذه الضرائب هي اقتراحات وزارة المالية وهي المعنية بهذا الموضوع، إلا أن غياب المتورطين بهذه الضرائب استدعى نزول الحريري كمسؤول وقد أخذ على عاتقه قضية المعالجة .
وبانتظار ما سيخرج عن المؤتمر الصحفي لوزير المال علي حسن خليل يجب أن يبقى هذا الحراك الوطني في حالة استنفار دائم لمتابعة التطورات خلال الجلسة النيابية المقبلة ليبنى على الشيء مقتضاه.