لعلّ من دس لغم تطيير النصاب في الجولة الثالثة من الجلسة التشريعية لمجلس النواب عصر أمس قد أصاب مجموعة اهداف دفعة واحدة. فالمجلس الذي يواجه إحدى أقسى الحملات والتظاهرات والاعتصامات الشعبية والنقابية والقطاعية في عملية قيصرية لاقرار سلسلة الرتب والرواتب، بدا وسط اشتداد الحملات عليه في أسوأ مشاهد الفوضوية التشريعية الامر الذي برز في شكل نافر من خلال ظهور كتل ونواب مضعضعين بين التزام ما اتفق عليه في جلسات اللجان المتكررة من حيث اقرار السلة الضريبية المتفق عليها ومن ثم التردد أمام الضغط الشعبي والسياسي المعارض للضرائب والواردات. هذا التردد أذكى بقوة زخم الاعتراضات على الضرائب قبل ان تبلغ عملية درس السلة البنود الاكثر مردوداً لتمويلها، علماً ان الضرائب التي أقرت تركت تداعيات شعبية فورية لكونها تطاول في معظمها الشرائح الشعبية. كما ان العامل الآخر الذي كان له دور بارز في انفجار الخلاف الذي صعد الى السطوح السياسية والاعلامية تمثل في مجريات الجلسة منذ جولتها الاولى بلوغاً الى الجولة الثالثة.
فاذا كان غضب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي فجره عقب تهديده مرات داخل المناقشات بتعليق الجلسة وجه حصراً الى كتلة حزب الكتائب ورئيسه النائب سامي الجميل، فإن ذلك لم يحجب ان نوابا آخرين وكتلاً أخرى منها "كتلة الوفاء للمقاومة" كانوا يدأبون بدورهم على معارضة ضرائب تمس بالشرائح الشعبية، مع ان جلسة اللجان الاخيرة كانت انتهت الى توافق على السلة الضريبية. واذا كان قصب السباق الشعبي قد اعتبر من نصيب الكتائب بعدما تلقى مع رئيسه "هدية" من شأنها ان تزيد رصيده الشعبي المؤيد لمعارضة السلة الضريبية، فان ذلك لم يحجب الدلالات المهمة أيضاً لانبراء نائب رئيس المجلس من منبر واحد جلس اليه مع رئيس الوزراء سعد الوزراء سعد الحريري للرد على الحملات "الشعبوية" وتكذيب المزاعم عن ضرائب أخرى لم ترد في السلة التي يناقشها المجلس. وأبرز مشهد الحريري ومكاري تحول رئاستي المجلس والحكومة الى دور هجومي واضح سيترك تداعياته في الايام المقبلة وخصوصاً بعدما افصح الحريري عن وحدة حال حكومية مجلسية ستترجم في اقرار السلسلة كما اتفق عليها.
أما الجانب المضمر الثالث الأهم في هذا المشهد، فيمكن ان يتلخص بأن الاشتباك السياسي الذي نشأ مهدداً باطاحة السلسلة قد رسم "بروفة" مبكرة جداً للمناخ الانتخابي الذي دهم الطبقة السياسية برمتها وراح يسابق كل المحطات والاستحقاقات بما يفاقم أزمة قانون الانتخاب التي تواجه طريقاً مسدوداً وقت تطغى الحسابات الانتخابية على كل شاردة وواردة.
الحريري ومكاري
في أي حال، يمكن القول إن السلسلة جمدت في انتظار عودة رئيس المجلس نبيه برّي الى ممارسة نشاطه الاسبوع المقبل. وكانت المفاجأة الثقيلة التي فجرت الاشتباك السياسي تمثلت في اتهام نائب رئيس المجلس الكتائب ورئيسها بعرقلة اقرار السلسلة ومحاولة تحميل النواب "هذا الذنب"، بل ذهب الى اتهامها أيضاً بترويج زيادات في الضرائب "لا أساس لها من الصحة". وما لم يقله مكاري افصح عنه الرئيس الحريري الذي قال: "اننا نريد اقرار السلسلة ولكن علينا ان نحمي كل اللبنانيين بمن فيهم الذين تطاولهم السلسلة ونحن لا نضيف ضرائب لاننا نحب ذلك بل لنحمي من نعطيهم السلسلة ولأن هذا هو التوافق الذي توصلنا اليه". وكشف انه سيطلب من وزيري العدل والداخلية التحرك حيال "مجموعة أكاذيب تم ترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي وسنلقي القبض على من قام بنشرها"، مشدداً على ان "رئيس الحكومة والرئيس بري والرئيس عون مصرّون على اعادة ثقة الناس بالحكومة". وأضاف: "لو أردنا ان نعمل بشعبوية أظن انه يمكننا ان نوصل السلسلة الى 10 آلاف مليون ولكن بذلك نكون قد خربنا بيوتكم وبيوت أولادكم". وأعرب عن اصراره أكثر من السابق على اصدار السلسلة.
الجميل
ورد النائب الجميل من المجلس على وقع تظاهرة كتائبية مناهضة للضرائب في ساحة رياض الصلح مستغرباً تحميل أربعة نواب من الكتلة مسؤولية تطيير الجلسة فيما "كنا حاضرين". وتساءل: "هل ممنوع ان تكون هناك معارضة أو ان يقول أحد إن هذه الضرائب غير منطقية؟".
وصرح الجميل ليلاً لـ"النهار" في دردشة: "سأظل أكرر أننا نؤيد إقرار سلسلسلة الرتب والرواتب وبدون أي تردد، وحضرنا إلى مجلس النواب لإقرارها. ولكن نعترض على تمويلها من جيوب الناس الأوادم، الفقراء ومتوسطي الحال، ونطالب بتمويلها ممن يسرقون أموال الدولة، وهذا ممكن تطبيقه من خلال خطة إستثنائية وعاجلة، خصوصاً أن الأموال المنهوبة والمسروقة كبيرة جداً. أما بخصوص الحديث عن الحصانة النيابية الذي استغربته، فحصانتي هي من الشعب اللبناني. وهذه لا يستطيعون نزعها عني".
وبرز موقف لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مساء عبر محطة "ام تي في" باعلانه "تعليق تأييد القوات للسلسلة الى حين تأمين المعارضين لها وارداتها"، وقال: "حين يصبح الامر متعلقاً بالمزايدات فلا يمكن العمل".
وقال رئيس لجنة المال والموازنة ابرهيم كنعان لـ"النهار" ان الواردات الضريبية اتفقت عليها الحكومات المتعاقبة بدءاً من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وأشبعت درساً في اللجان المشتركة في مجلس النواب ودافعت عنها الكتل بما فيها كتلة الكتائب ولم يتبدل شيء في الضرائب المتفق عليها منذ العام 2014". واعتبر ان الأجواء السلبية في اليومين الاخيرين ومحاولة الضغط لرفض الضرائب "هدفت الى ضرب المشروع من أساسه"، ودعا المعترضين الى اقتراح مصادر أخرى وواقعية للواردات وتوفير تغطية السلسلة "بعيداً من المزايدات".
وتوافرت ليلاً معلومات لـ"النهار" مفادها ان الرئيس بري سيدعو الى جلسة الاربعاء المقبل يصار خلالها الى اقرار ما تبقى من بنود السلسلة بعد احتواء الاحتقان.