يطرح عليَّ موت الطفلة يارا بدران، كما غيرها، من الأطفال والشبّان في مقتبل العمر، أسئلة وجودية، وكيانيّة، ويتلاعب بالمكونات الفكرية والثقافية، ويشكك في المعتقدات الايمانية.
لا أنسب الموت والمرض الى إرادة الله، أو حكمته، أو أخضاعه الإنسان، وخصوصاً الأهل، للتجربة، علماً أننا في صلاة الأبانا نردّد عبارة "ولا تدخلنا في التجربة"، ولا أفهم تماماً معنى هذا التمنّي أو الرجاء، لا تدخلنا في التجربة، كي لا تظهر ضعفنا، ولا تفضح أمرنا، ولا تكشف ضعف إيماننا. لا أريد أن أحمّل الله مسؤولية المرض والموت المبكر، بل أردّها الى ضعف الجسد والوراثة، وهكذا أقبله إنسانياً، ولا أدخل الله فيه، كي لا يجرّني ألم الموت أو المرض أو الفشل، الى الكفر بالله، علماً أنني أسقط أحياناً في فخ "النذورات" وهي ابتزاز لله وقدّيسيه، إذ غالباً ما يقول الناس، علناً أو سراً، لله وقدّيسيه وأوليائه، أنهم سيزورون العتبات المقدسة ويحسنون الى الفقراء، إذا لبّى الله طلباتهم، وفق مبدأ "تعطيني أعطيك"، وهذا أيضاً مضحك، وطريف، لأنه يجعل الله في مرتبة بشرية يمكن التعامل معها بشروط وشروط مضادة.
ولكن إذا كانت لله علاقة بالموت، أو كان بريئاً منه، فإن تصرفاتنا تجاه الحدث المؤلم، لا تتبدل، وإن كان الدين، كل دين، يعزّينا، بأن المتوفّى ينتقل الى أحضان الإله، والى سماء لا ألم فيها ولا وجع ولا أنين، بل حياة سعيدة.
ألم الغياب يبقى هو هو، في كل زمان ومكان تختلف طريقة التعبير عنه، لكن متى كان الراحل طفلاً أو شاباً ازداد الحزن والأسى، وتبدّلت ردّات الفعل من مثل إطلاق الرصاص أو الاستعانة بشعراء الزجل وفرق الزفّة عندنا وهي عادات مجتمعية متخلّفة ربما، لكنها تتخذ اشكالا مختلفة وتتبدّل وفق الثقافات والحضارات.
اليوم، فيما نودّع الطفلة يارا بدران، مع والديها مارون وربيكا، اللذين عانيا كثيراً، مع العلاج الفائق التكلفة والجهد والقهر، لا يمكننا إلا أن نحزن، وأن يكون حزننا كبيراً، لأن ألم الفرق كبير خصوصاً متى كانت الراحلة في أعوامها الأولى، لم تختبر الحياة، ولا الخطيئة، ولا تلوّثت يديها، ولا فكرها، بأنواع التعصّب، ولا سقطت سقطاتنا.
اليوم، نودّع يارا، بعدما استسلم جسدها المشبع أدوية وعقارات وجراحات، وارتاح من آلامه الأرضية، نودّع يارا وكلنا امل في أن تحمل الصلوات الكثيرة التي ارتفعت في كل مكان من الولايات المتحدة حيث كانت تعالج، الى لبنان موطنها، حيث رفعت الدعاءات امتداداً من حريصا الى مغدوشة، الطفلة الراحلة، عبر أوتوستراد سريع لا محطات فيه ولا عقبات الى جنّة موعودة لأنها تستأهل كل النعيم السماوي هي المنزهّة عن كل خطيئة، والمستحقة لقب عروس المسيح.