بعد أيام معدودة، تدخل البلاد في أقصى أزماتها السياسية والدستورية منذ عام 2005، في حال لم توجه الدعوة إلى الهيئات الناخبة. القوى السياسية التي تتحمّل مسؤولية ضياع فرصة إقرار قانون قائم على النسبية الشاملة، تتصرّف كأنها تملك الوقت الكافي للتوصل إلى اتفاق. كلّهم يراوغون، بانتظار موقف يصدر من بعبدا الثلاثاء المقبل، يعيد تصويب البوصلة

 
 

بعد أربعة أيام، تحلّ آخر مهلة لدعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات النيابية، من دون أن تقيم أيّ من القوى السياسية اعتباراً للمواعيد الدستورية والقوانين التي تُنظم الاستحقاقات الانتخابية.

فقد درجت العادة في لبنان على أن تأخذ القوانين والمواعيد الشكل الذي تراه الأطراف السياسية مناسباً. وعليه، ربّما، يكون النائب سامي الجميّل والوزير نهاد المشنوق الوحيدين المتنبهين لأهمية تاريخ 19 آذار. الأول قال من مجلس النواب «إنّ عدم إدراج أيّ بند يتعلّق بقانون الانتخابات في آخر جلسة للمجلس النيابي قبل انقضاء المهل في 21 آذار هو انتهاك واضح وفاضح للدستور والنظام الديمقراطي في لبنان». والثاني صرّح بأنه سيبحث مع رئيسي الجمهورية والحكومة في كيفية توجيه الدعوة للهيئات الناخبة قبل 21 آذار على أساس القانون النافذ، وتأمين اعتمادات مالية لإجراء الانتخابات. لكن عدم دعوة الهيئات الناخبة يُنذر بأزمة دستورية وقانونية وسياسية خطيرة، تُهدّد البلاد ابتداءً من يوم الاثنين 20 آذار. فبعد 21 آذار، لن يكون بمقدور وزارة الداخلية دعوة الهيئات الناخبة، من دون تعديل لقانون الانتخابات. الأخطر من الأزمة المرتقبة، هو الطريقة التي يتصرّف وفقها ممثلو القوى السياسية. قسمٌ منهم، كالوزير جبران باسيل، يبدو في سباقٍ مع نفسه من أجل تقديم مشاريع قوانين تسقط قبل بلوغها عتبة المراكز الحزبية للحلفاء والخصوم. والقسمُ الآخر، أبرز مَن فيه تيار المستقبل، لا يقوم بأي خطوة لكسر الجمود ويُصرّ في الوقت نفسه على أهمية إقرار قانون جديد وإلا فإعلان فشل حكومة الرئيس سعد الحريري. كلا الفريقين يوحيان بأنهما جديان في البحث عن صيغة جديدة، ويتصرفان على أنّ الوقت لا يزال في مصلحتهما للتوصل إلى نتيجة قبل 19 حزيران المقبل. على الرغم من أنّ آخر التجارب في صيغ القانون، والمقدمة من باسيل، لا تُبشّر بالخير. مشروع رئيس التيار الوطني الحر يمزج بين الأرثوذكسي والأكثري في الدوائر المقسمة وفق قانون الرئيس نجيب ميقاتي، واعتمد النسبية في المحافظات الخمس مع اشتراط أن يكون الصوت التفضيلي على أساس القضاء. لا أحد يعرف كيف توصل باسيل إلى هذه الخلاصة وكيف مزج بين هذه المعايير، ولكنه كان يقول لمن فاوضهم حول مشروعه الجديد، «لا أفهم كيف يُفكر أحد في رفض هذا القانون».


والسهام أُطلقت على هذا الاقتراح من داخل التيار، قبل غيره، حيث إنّه لم يحظَ بموافقة مطلقة إلا من قبل جزء من التيار الوطني الحر. وحظي برفض تام من جانب حركة أمل، وحزب الله، والحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب الكتائب وغالبية مستقلي فريق 14 آذار. أما القوات اللبنانية التي سارعت إلى إعلان موافقتها على مشروع باسيل، درءاً لاتهامها بالتعطيل والتصويب على العهد، فاشترطت موافقة القوى الأخرى على المشروع. واللافت، كان موقف تيار المستقبل. من جهة، شارك مدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري، في وضع المسودة عبر تقديم ملاحظاته، ومن جهة أخرى، تعارض الأغلبية داخل «المستقبل» المشروع. وقد عبّر عن رأي هذه الفئة النائب محمد قباني الذي رأى أن «السير بهذا القانون هو نهاية لبنان». وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإن تيار المستقبل «لن يمشي بمشروع باسيل»! بات واضحاً أنّ الرئيس سعد الحريري يُمارس سياسة عدم رفض أي قانون، للإيحاء بأنّ العراقيل توضع في مكانٍ آخر. ويراهن الحريري، في الوقت نفسه، على خلاف بين التيار الوطني الحر من جهة، وحزب الله وحركة أمل من جهة أخرى. أكثر ما يُعبّر عن نيات الحريري، ما أسّر به أحد مساعديه: «نعرف أنّ الخلاف مع العونيين آتٍ. أين المشكلة إن عملنا على تخفيف حدّته، ولينفجر الخلاف بين التيار وحركة أمل وحزب الله؟».
أمام هذه المعضلات التي تنسف إمكان إجراء الانتخابات النيابية، بدأت معظم الكتل السياسية البحث عن نقولا فتوش الجديد الذي سيفديها ويُقدّم اقتراحاً لتمديد ولاية المجلس النيابي. المُتضرر الأول من هذه الخطوة، إن حصلت، هو رئاسة الجمهورية. وفي هذا الإطار، يُنتظر أن يصدر موقف عن رئيس الجمهورية ميشال عون، الثلاثاء المقبل، يرسم خارطة طريقٍ للتوصل إلى قانون جديد. الرئيس سيدقّ الأجراس. إن لم يلقَ آذاناً صاغية، فالبلد سيكون على موعد مع أزمة سياسية لم يشهد مثيلاً لها منذ الـ2005.
وفي إطار النقاش حول القانون، رأى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين أنّ «بعض الفرقاء الذين يريدون قانوناً انتخابياً وفق مصالحهم الخاصة لا يريدون أن يبنوا بلداً حقيقياً»، داعياً إياهم «إلى عدم المزايدة حول كيفية بناء الدولة، لأن الذي يريد أن يبني دولة، عليه أن يأتي إلى قانون انتخابي عصري وغير متخلف وعادل ويؤمن التمثيل الحقيقي». وفي الإطار نفسه، أعاد المسؤول الاعلامي في حزب الله محمد عفيف التأكيد أن الحزب يريد «النسبية الكاملة لأنها توفر فرصة كبيرة لتطوير الحياة السياسية ولهذا يرفضونها. نريد النسبية الكاملة لأنها تعزز إنتاج خطاب وطني لا طائفي ولهذا يرفضونها. نريد النسبية الكاملة لأنها توفر التمثيل الصحيح وتعطي لكل ذي حقٍ حقه ولهذا يرفضونها. نريد النسبية الكاملة لأنها تشكل فرصة حقيقية للإصلاح الإداري ومكافحة الفساد ولهذا يرفضونها». ورأى عفيف أن «الفرصة المتاحة حالياً في عهد الرئيس ميشال عون إذا ما ضاعت فقد لا تتكرر في وقت قريب». وفيما لم يصدر بعد موقف رسمي عن حزب الله من مشروع باسيل، قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب كامل الرفاعي إنّ «الخطاب الذي صاحب اقتراح باسيل مرفوض كلياً، لأنه يعزز المذهبية والطائفية، وبالتالي فإن اقتراحه لا يلبّي طموحات اللبنانيين».
من جهته، قال باسيل إنه قدم اقتراحه الانتخابي «لأعرف من كل طرف وجهة نظره وما البديل لكل نقطة يرفضها. ومن الآن فصاعداً يجب أن نعرف السبب وراء كل رفض».
على صعيد آخر، وصل رئيس الجمهورية ميشال عون والوفد المرافق إلى روما، في زيارة رسمية إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس.