لن يعود الجيش "العربي" السوري الى لبنان مرة أخرى. وهذا وحده سبب كاف لاحياء الذكرى السنوية الـ12 لتظاهرة 14 آذار 2005 الحاشدة والمفصلية في تاريخ لبنان الحديث، على الرغم من أن الجزم في عدم رجوعه الى لبنان يُعزى الى الثورة السورية، أكثر مما ينسب الى الجمهور اللبناني الواسع الذي طالب بخروجه من الاراضي اللبنانية فوراً ، كثمن لإغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وعدا ذلك لا مبرر للاحتفال بالتظاهرة التي كانت مجرد رد عفوي من غالبية مسيحية ساحقة، ومن غالبية إسلامية بسيطة، على تظاهرة أقل شأناً كان حزب الله قد نظمها قبل ستة أيام، وتوجه فيها بالشكر الى النظام السوري ثم سلم مندوبه العسكري العميد رستم غزالة بندقية المقاومة الشهيرة، في واحدة من أبرز علامات التحدي الداخلي، الحاسم في وجهته وفي مساره اللاحق.
ولعل السؤال الاهم من إختفاء فريق الرابع عشر من آذار وعدم قدرته حتى على الاحتفال بذلك الحدث الجماهيري الاول من نوعه، هو سبب إمتناع فريق الثامن من آذار عن إحياء ذكرى تظاهرته الاولى ومسيرته التالية التي تكللت بنجاح نسبي، بدليل أنها تمكنت من تفكيك المعسكر الخصم وإختراق غالبيته المسيحية وإجتذاب مكونها الاكبر الى جانبها، والحلول محل الجيش السوري في توجيه السياسة الداخلية، وصولا الى إنتخاب الجنرال عون رئيساً.
قد يكون تواضع فريق الثامن من آذار هو فقط ما حال دون رفع علامات النصر في المناسبة، مثلما قد يكون الحرج هو ما دفع فريق الرابع عشر من آذار الى الانزواء وإسقاط ذلك الحدث من الذاكرة اللبنانية. وفي الحالتين ثمة نضج لبناني ظاهر، ووعي متبادل بأن أهمية ما جرى في بيروت قبل 12 عاماً، كانت ولا تزال تكمن في قراءته السورية، التي أحرجت النظام في دمشق وكادت تخرجه عن طوره، يومها، ثم إندرجت في مرحلة لاحقة في تفاصيل ويوميات وإشتباكات الحرب السورية.
ومن دون تلك القراءة لا يستقيم الحدث اللبناني ولا يُدرك. في تلك الفترة سخر بشار الاسد علناً من اللبنانيين الذين توقعوا سقوط نظامه تحت وطأة الخروج العسكري من لبنان، وتحرك معارضون سوريون كثيرون مطالبين بمراجعة تلك التجربة اللبنانية البائسة من أجل تصويب العلاقات بين البلدين والشعبين.. وتفاءل بعضهم الى حد المغامرة بطلب الاصلاح في سوريا، فما كان من هذا البعض إلا أن أُدخل الى السجون أو أُرسل الى المنفى.
عندها إنقطعت الصلة بين الحدثين اللبناني والسوري: تعرض فريق الرابع عشر من آذار لضربات متلاحقة ونكسات داخلية متتالية، أنهت ما كان يُزعم أنه ربيع بيروت، في الوقت الذي كان فيه ربيع دمشق يتلاشى تحت وطأة الحملات الأمنية والملاحقات القضائية، حتى إستتب الأمر تماماً لخصوم الربيعين الافتراضيين، اللذين ما زالا يصنفان من قبل بعض الحالمين اللبنانيين والسوريين بالظاهرة الأولى التي ساهمت في إطلاق الربيع العربي، بعد ذلك بأقل من ستة أعوام.
أي الهزيمتين كانت أكبر: هزيمة فريق الرابع عشر من آذار أم هزيمة ربيع دمشق؟ الدمج بينهما جائز، برغم أن الجمهور اللبناني لم يطلب إسقاط النظام اللبناني، بل كان يتمنى فقط إسقاط النظام السوري، وبرغم ان الجمهور السوري الحليف، كان يطمح الى إسقاط النظام اللبناني من أجل ان يصل الى إصلاح النظام السوري.
الهزيمة اللبنانية كانت أكبر لأن الأهداف كانت متواضعة جداً، بل مضحكة أيضاً (العبور الى الدولة!)، ولم يتحقق منها سوى الخروج العسكري السوري من الأراضي اللبنانية. الهزيمة السورية تقاس بحجم المقاومة التي ما زالت تبديها المعارضة السورية، في وجه النظام وحلفائه الذين باتوا يخوضون معاركه مباشرة.
سيرة الشعبين والبلدين لا تُبنى بالطبع على تظاهرتي بيروت في ربيع العام 2005، لكنها لا تستطيع ان تمحوهما من الذاكرة.
14 آذار:تظاهرة وهزيمتان
14 آذار:تظاهرة وهزيمتانساطع نور الدين
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المدن
|
عدد القراء:
877
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro