فيما يبدأ فصلٌ جديد من العراك على سلسلة الرتب والرواتب خلال جلسة مجلس النواب اليوم بين نقاش نيابي في داخلها وتحرّك نقابي في خارجها، وفي انتظار وصول مشروع الموازنة إلى ساحة النجمة، يستمر الاستحقاق النيابي دائراً في حلقة مفرغة لعدم التوافق بعد على صيغة قانون الانتخاب العتيد على رغم ضغطِ المهل الانتخابية، وبدا أنّ الصيغة الجديدة التي طرَحها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل مرشّحة للانضمام إلى لائحة الصيغ البائدة، إذ دلّت المواقف إزاءَها حتى الآن إلى أنّها لن تحظى بالتأييد المطلوب.
إنتخابياً، تنتهي اليوم المهلة التي حددها «التيار الوطني الحر» لتلقّي الأجوبة على طرح باسيل الانتخابي، والذي يقوم على اساس المناصفة (64 اكثري و64 نسبي) وينتخب الاكثري على أساس 14 دائرة وتنتخب كل طائفة نوابها، والنسبي على أساس الدوائر الخمس.

واللافت أنّ مشروع باسيل لقي رفضاً لدى كل قوى 8 آذار الحليفة لـ«التيار الوطني الحر»، سواء حزب الله او حركة «أمل» وغيرها من الاحزاب، فضلاً عن رفض الحزب التقدمي الاشتراكي.

وفي المقابل، فإن افرقاء في قوى 14 آذار رفضوا مشروع باسيل وفي مقدّمهم تيار «المستقبل»، في وقتٍ أيّدته «القوات اللبنانية» اعتقاداً منها أنّ الرفض سيأتي من الفريق الآخر، خصوصاً انّها ترغب في التهدئة مع «التيار» بعد التشنّج الذي شابَ العلاقة بينهما في الايام المنصرمة.

واللافت أيضاً انّ باسيل كان يدرك مُسبقاً انّ اقتراحه لن ينال تأييد الاكثرية في صفوف 8 و14 آذار، ولكنّ السؤال الذي طرحه البعض هو لماذا أقدم باسيل على خطوته هذه رغم إدراكه بأنها لن تحظى بالتأييد المطلوب؟

مراقبون أجابوا عن هذا السؤال مؤكدين انّ باسيل طرح كل ما لديه على قاعدة «اللهمّ اشهد انّي بَلّغت»، وكذلك على قاعدة انه عمل ما عليه حتى اذا حصل فراغ يرفع المسؤولية عن تياره بأنه قدّم كل ما لديه لتلافي الفراغ أو التمديد، ولكنّ الآخرين لم يتجاوبوا.

وأعلن تكتل «التغيير والإصلاح» أمس أنه في انتظار كل الأجوبة على الصيغة الاخيرة، «فهناك أفرقاء أعطوا جوابهم الرسمي، لكننا ننتظر أجوبة الافرقاء الآخرين، خصوصاً جواب «حزب الله»، والمنتظر إعطاؤه خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة»، واعتبر «اننا أصبحنا في مرحلة يجب فيها على كل فريق يرفض أيّ طرح لقانون لانتخابات أن يبرّر أو يطرح بدائل أو تعديلات، لنصِل إلى صيغة تخرجنا من المأزق»، مشيراً إلى «أنّ كل القوى تتحمل مسؤولية المبادرة وطرح حلول».

وإذ اعتبر «التكتل» أنّ الحل للمشكلة هو في التوصّل إلى قانون انتخابي جديد»، أكّد أنه «سيقاوم بكل الوسائل الدستورية كل فرضيّات التمديد لمجلس النواب».

«حزب الله»

وفيما يعكف «حزب الله» على درس مشروع باسيل، يترقّب الجميع ما سيعلنه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في احتفال يقيمه في عدد من المناطق السبت المقبل لمناسبة ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء.

وعلمت «الجمهورية» انّ كلمة نصرالله ستنقسم الى قسمين: الاول ديني ولن يكون منقولاً مباشرة على الهواء. امّا القسم الثاني الذي سيُبثّ مباشرة فسياسي وسيتناول فيه الشأن الانتخابي عموماً، ويمكن ان يتطرّق ايضاً الى بعض مواضيع الساعة إذا سمح الوقت بذلك.

وفي المعلومات انّ الحزب الذي لا يزال متمسّكاً بمشروع النسبية الكاملة على المستوى الوطني او على مستوى المحافظات الكبرى، يحرص على التأكيد انّ ما يعنيه هما أمران، فإضافة الى النسبية الكاملة تهمّه وحدة المعايير أولاً وأن يؤمّن القانون الانتخابي التمثيل الصحيح لجميع القوى السياسية في البلد ثانياً.

«المردة»

وإلى ذلك قال منسّق لجنة الشؤون السياسية في تيار «المردة» الوزير السابق يوسف سعادة لـ«الجمهورية»، تعليقاً على طرح باسيل الانتخابي: «إنّ كل القوانين التي طُرحت لها سيئاتها وحسناتها، امّا هذا القانون فقد أخذ السيّئات من كل القوانين وتخلّى عن الحسنات، فهو طائفي أكثر من المشروع الارثوذكسي، ولكنّ الارثوذكسي يوجد فيه نسبية امّا هذا فإلغائي».

«القوات»

وفيما غاب الشأن الانتخابي عموماً واقتراح باسيل خصوصاً عن بيان كتلة «المستقبل» النيابية التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس سعد الحريري، رَحّبت «القوات اللبنانية» بطرح باسيل، وأكّد وزير الصحة غسان حاصباني لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعم «القوات» هذه الصيغة، وقال: «لا تباين بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، موضحاً أنّ «ورقة التفاهم واضحة، والجميع ملتزم بها».

«الإشتراكي»

وفي انتظار ما سيعلنه الحزب التقدمي الاشتراكي في مهرجان الاحد المقبل في ذكرى استشهاد كمال جنبلاط، قال النائب وائل ابو فاعور: «لا أعتقد انّ للطرح الانتخابي الذي قدّمه باسيل فرصة كبيرة لاعتماده، وبصَرف النظر عن موقفنا اعتقد انّ هناك عدداً من القوى لا ترى فيه الحل الأمثل كقانون انتخابي».

امّا الوزير طلال ارسلان فرفض المداورة في رئاسة مجلس الشيوخ على حساب الدروز. وطالب بأن تأتي فكرة مجلس الشيوخ «من باب المداورة في كل المؤسسات الدستورية».

«المجلس» و«السلسلة»

ومن جهة ثانية، على وقع الاعتراضات والتحركات والاعتصامات، تنعقد قبل ظهر اليوم الهيئة العامة للمجلس النيابي لدرس مشروع سلسلة الرتب والرواتب، من ضمن جدول أعمال مكوّن من 26 بنداً. وعلى رغم المؤشرات والمعطيات التي كانت تميل الى ترجيح إقرار السلسلة اليوم في الصيغة التي أقرّتها اللجان النيابية المشتركة، سادت ظلال من الشكوك، بسبب كثرة الاعتراضات والمراجعات والمطالب والتهديدات.

جابر

وهذه الأجواء دفعت النائب ياسين جابر الى مصارحة «الجمهورية» مؤكداً أنه «لا يمكن الجزم بمصير الجلسة في ما خصّ السلسلة، لأنّ بنودها ستخضع للتصويت». وقال: «كلنا بات يعلم انّ هناك من يرفض الضرائب، لكننا امام سلسلة كلفتها 2100 مليار ليرة، فكيف نؤمّن التمويل؟ علماً انّ إيقاف الهدر والفساد لا يمكن ان ينتهي في يوم او اثنين».

ولدى سؤاله اذا كان يعتقد انّ السلسلة ستخضع لكثير من التعديلات؟ قال جابر: «اللجان تعدّ السلسلة امّا الهيئة العامة فهي من سيقرر، خصوصاً أنّ هناك عدداً من البنود التي لم يتم الاتفاق عليها في اللجان المشتركة، وعلى الهيئة العامة ان تحسمها».

وأضاف: «المشكلة اليوم هي انّ أحداً لم يرض بالزيادات المقترحة في السلسلة، والجميع يقارن نفسه وموقعه بغيره، والملفت انّ الجميع يريد زيادة في الرواتب، إنما لا أحد يريد السير في الاصلاحات، بل فقط يتمسّك بالمحافظة على مكاسبه... صحيح انّ هناك أجوراً تحسنت انما يجب في المقابل إدخال الاصلاحات، والّا نحن امام مشكلة حقيقية، ومن دون الاصلاحات سيسير البلد الى الهاوية، ولن يتمكن من الاستمرار».

وعلى رغم هذه الاجواء الضبابية، جزم جابر بأنّ هناك نية لإنجاز السلسلة اليوم «خصوصاً أنّ الجيش اللبناني راض هذه المرة عن السلسلة، وقد ارسل الينا كتاب شكر على ما أُنجز في اللجان المشتركة». وأكد انه ستكون هناك جلسة صباحية وأخرى مسائية. ولم يستبعد أن يستغرق درس المشروع اكثر من يوم، وذلك بحسب النقاشات، خصوصاً أنّ بند السلسلة هو البند 26 أي البند الأخير على جدول الاعمال.

التحركات

في غضون ذلك يعتصم أساتذة التعليم الثانوي اليوم في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب للمطالبة بتعديل أرقام السلسلة وقيمة الدرجة. وفي السياق نفسه، ينفذ معلّمو التعليم الأساسي الإضراب في كل المدارس الرسمية اليوم حتى تحقيق المطالب.

القضاء والمحامون

وإلى تحرّك المعلمين والنقابات، واصلت السلطة القضائية تحركها واجتماعاتها أمس، فالتأمت بهيئاتها: مجلس القضاء الأعلى، مكتب مجلس شورى الدولة ومكتب ديوان المحاسبة، في مقر مجلس القضاء الأعلى في قصر العدل - بيروت، وانضمّ اليها أعضاء الهيئة الإدارية لـ«رابطة قدامى القضاة»، وتوافقوا على سحب كل البنود المتعلقة بالسلطة القضائية من مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة هذا الملف واتخاذ كل الإجراءات المناسبة للرجوع عن التعديل التشريعي المُزمع بكل الوسائل القانونية المُتاحة».

وتزامناً، طالب مجلسا نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس خلال جلسة استثنائية بـ «وقف العمل فوراً بكافة القوانين المتعسّفة المنوي إقرارها وإعادة درسها إنصافاً لأصحاب الحقوق المكتسبة والمشروعة».

الى ذلك، شهدت دوائر العدل والمحاكم أمس توقفاً عن عقد الجلسات وقبول المراجعات حتى في الاقلام احتجاجاً على مشروع السلسلة، على ان يستمر الاعتكاف حتى مساء اليوم.

الهيئات الاقتصادية

من جهتها، عقدت الهيئات الاقتصادية عشية الجلسة النيابية، اجتماعا طارئا أعلنت في نتيجته رفضها الضرائب المفروضة لتمويل السلسلة، خصوصا الضرائب المفروضة على القطاع المالي و«التي ستكون لها ارتدادات كارثية على مجمل الواقع الاقتصادي الذي يعاني في الأساس من ركود». ولفتت الى الاضرار التي ستلحق بالطبقة العاملة وبأصحاب الدخل المحدود، وارتفاع نسب البطالة. (تفاصيل ص 11)

عون: لمراجعة الضرائب

وعشية الجلسة النيابية كشفَت دوائر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تابعَ باهتمام بالغ مناقشات اللجان النيابية المشتركة لمشروع سلسلة الرتب والرواتب واطّلع على كثير من التفاصيل والظروف التي دفعَت إليها تأميناً لموارد تمويل السلسلة.

وأجرى عدداً من الاتصالات مع رئيس الحكومة والمعنيين متمنّياً إعادة النظر ببعض الضرائب التي تمسّ ذوي الدخل المحدود والمتوسط، والبحث عن بدائل منها في إطار العمل على مكافحة الفساد في كثير من القطاعات والمؤسسات والمرافق العامّة، والذي سيوفّر أموالاً عامّة من أبواب أخرى يمكن من خلالها تجنّب بعضٍ ممّا هو مطروح في لائحة الضرائب، وهو سيواصل مساعيَه في هذا الاتّجاه حتى الساعة الأخيرة الفاصلة عن جلسة اليوم.

أمّا بالنسبة إلى ملف مكافحة الفساد فهو يتوقع مساراً طويلاً من الجهود المضنية التي ستُبذل طوال سنّي العهد، ولن يوفّر مسعى وفق خطة مرحلية وضَعها فريق من المستشارين والمعنيين من الوزراء لهذه الغاية وسيَجري تظهيرها تباعاً.

... ومرتاح لإقرار الموازنة الجمعة

وفي هذه الأجواء عبّرت المصادر عن ارتياح رئيس الجمهورية إلى ما انتهت إليه الورشة الحكومية في إقرار موازنة 2017 التي انتهت منها بعد مرور 12 عاماً على اعتماد القاعدة الإثني عشرية تأسيساً على أرقام آخر موازنة في البلد عام 2005.

وقالت المصادر إنّ رئيس الجمهورية تبلّغَ من المعنيين أنّ اجتماع مجلس الوزراء بعد ظهرِ بعد غدٍ الجمعة سيشهد البتّ بالصيغة النهائية للموازنة التي تعمل وزارة المال على وضعِها في ضوء التعديلات المقترحة على مختلف بنودها لتكون جاهزةً للإحالة إلى المجلس النيابي الذي ينهي في جلسة اليوم عَقده الاستثنائي قبل أن يعود إلى عقده العادي الثلثاء المقبل.

عون إلى الفاتيكان

وفي هذه الأجواء يغادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعقيلته اليوم إلى الفاتيكان، ويرافقه باسيل وجميع أفراد العائلة في زيارة يلتقي خلالها قداسة البابا فرنسيس قبل ظهر غدٍ في خلوةٍ أولى بينهما تتناول مختلف اهتمامات لبنان والفاتيكان حول قضايا وطنية لبنانية وأخرى تعني مسيحيّي لبنان والمنطقة في ضوء التطوّرات التي تهدّدهم على أكثر من مستوى. وسيَلي هذه الخلوة لقاءٌ عائلي برتوكولي لتبادلِ الهدايا ولينالَ أفراد العائلة البركة البابوية واتّخاذ الصورة التذكارية التقليدية مع الجميع.

وقبل أن يغادر عون الفاتيكان سيَعقد لقاءً مع أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين يتناول البحث خلاله تفاصيل عناوين القضايا التي يكون قد بحث فيها مع الحبر الأعظم.

وقد أنجِزت أمس التحضيرات على كلّ المستويات اللوجستية والإدارية والديبلوماسية، وسيكون لعون كلمة في لقاءَين، أحدهما مع الجالية اللبنانية مساء الخميس، دعا إليه القائم بأعمال السفارة اللبنانية في روما ألبير سماحة، وذلك بعد القداس الذي ستقيمه الرهبنة المارونية على نيتِه في مقرّ الوكالة البطريركية. وقد كانت كلّ هذه التحضيرات محور لقاء عَقده أمس مع السفير البابوي في لبنان المونسنيور غابريال كاتشا.

موقف متقدّم لبكركي

من جهة ثانية تطوي الأزمة السورية اليوم عامها السادس، في وقتٍ ما زال لبنان يعيش تردّدات هذه الأزمة الطويلة التي انعكست تفجيرات في داخله، وحروباً مع الإرهاب على حدوده، وكارثة نزوح تكاد تهدد التركيبة اللبنانية، وسط انسداد أفق الحل وانتظار ما قد تطرحه إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لسوريا والمنطقة من معالجات.

وبرز أمس موقف متقدّم لبكركي من قضية الإرهاب والأمن تخطّت عبره الحدود لتصل إلى الخارج وتحديداً إلى الغرب عموماً وأوروبا خصوصاً.

فقد اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال لقائه وفداً من «اللقاء التشاوري الوطني» لعشائر وفاعليات بعلبك ـ الهرمل في بكركي، أنّ «منطقة بعلبك الهرمل عزيزة علينا، ولا نُسمّيها يوماً منطقة الاطراف لأنها سياجنا، ونشعر أنه بصمودكم ومحافظتكم عليها تتصدّون للحركات الإرهابية»، معتبراً «أنكم حماة لبنان وإذا استبيح البقاع سيُجتَاح، عبر المتوسط، العالم الغربي كله».

المطران رحمة

وتعليقاً على هذا الموقف، أكّد راعي أبرشية بعلبك - دير الأحمر المارونية المطران حنا رحمة الذي شارك في اللقاء، أنّ كلام البطريرك هو للفت انتباه أوروبا.

وقال لـ«الجمهورية»: «لقد شاء سيّدنا من خلال هذا الموقف إيصال رسالة واضحة الى الدول الأوروبية جمعاء، وليس الى فرنسا فقط، مفادها انه إذا لم تنتبهوا الى وضع لبنان عموماً وتدعموا الجيش والمؤسسات الأمنية، فإنّ تمدّد الإرهاب من سوريا والمنطقة لن يقتصر على لبنان، بل سيتخطّى المتوسط ليصل إليكم».

وأوضح رحمة أنّ «البطريرك الراعي وبكركي يضعان أوروبا والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهما، خصوصاً مع همس البعض بأنّ الغطاء الدولي ومظلة الأمان قد ترفع عن بلدنا.

فهذا الأمر إذا حصل، فستكون له تداعيات كارثية على أوروبا»، مشيراً الى أنّ «أوروبا يجب ان تستمرّ في دعم لبنان سياسياً وأمنياً، لأنّ أمن لبنان يؤثّر في المنطقة ككل، خصوصاً مع تفشّي الإرهاب ودخول أعداد هائلة من النازحين إليه ووجود بؤر داخلية مثل المخيمات قد تنفجر في أيّ وقت كان».