يعتقد كثيرون أنّ الحديث عن مدى ملاءمة القوانين المطروحة للإنتخاب، سواءٌ تلك التي طُويت نهائياً أو جزئياً، أو التي ستطرح وما يقول به الدستور أمر مثالي لا وجود له في لبنان ماضياً وحاضراً.
فالحديث عن قانون اصلاحي، عادل ومتوازن يعتمد معايير واحدة تحوّل شعاراً يتناقض مع مضمون ما طُرح من مشاريع فضحته لائحة طويلة من الأهداف قصدها معدّوها ولم يتوافر في أيٍّ منها الحدّ الأدنى من الإجماع المطلوب.
ولمزيد من الإيضاحات، لئلّا يُقال إنّ في هذا الكلام تجنياً على أحد من معدّي هذه القوانين، فقد جاءت سلسلةُ الملاحظات التي تناولت مختلف المشاريع واقتراحات القوانين منذ أن تعهّد المجلس النيابي إقرار القانون العتيد عقب انتخابات 2009 وقبله في مرحلة تلت انتخابات 2005.
فقد زرعت تلك المحاولات ما يكفي من الشكوك في نفوس اللبنانيين والتي تحوّلت إقتناعات لا نقاش فيها، فدخلت عشرات المشاريع الى إدراج المجلس النيابي وبقيت أخرى خارجه الى درجة بات من الصعب إحصاؤها.
صحيح أنّ الحكومة التي ردت عام 2009 على قرار المجلس الدستوري بعدم تطابق القانون 25 / 2008 وما يقول به مع مقتضيات الدستور بأنه سيطبَّق لمرة واحدة إقراراً منها بجملة من المخالفات التي ارتُكبت. فدعت يومها، بصراحة لا سابق لها بإصرارها على القانون، الى غض النظر عن المخالفات والمساوئ متعهدة بمعالجتها في القانون المقبل بفعل حاجة البلاد الى تقديم الحلّ السياسي على كلّ ما يقول به القانون والدستور.
وعزت ذلك الى ضرورة مواكبة التفاهم الذي تمّ التوصل اليه في الدوحة وأنتج إنهاء الشغور الرئاسي المتمادي لأشهر عدة، وحلفاً توافقياً رباعياً قاد الانتخابات ربيع 2009 بعدما تحوّل خماسياً في بعض الدوائر وثلاثياً في أخرى بغية تمثيل الجميع مراعاةً للتفاهم السياسي الذي رعاه المجتمعان الإقليمي والدولي. وكلّ ذلك جرى لتجاوز سلبيات المرحلة الصعبة التي أعقبت أحداث 7 ايار 2008 وما تلاها من اعمال امنية وعسكرية كادت أن تفجّر البلد وتدخله في آتون الحرب مجدداً.
وهكذا عبرت السنوات التي تلت تلك الإنتخابات، وعجز خلالها العقل اللبناني عن ابتداع قانون انتخابي جديد بفعل الإنعكاسات السلبية التي خلفتها الأحداث في العالم العربي قبل أن تمتد الى الأراضي السورية. فكان العجز عن توليد القانون الجديد يعوّض عنه بالتمديد للمجلس النيابي مرتين لأسباب واهية لم تكن مقنعة لأحد.
فجاء تمديداً فرضته قوى اساسية التقت عليه، تحت شعار تجنيب البلد فتنة سنّية ـ شيعية. فثبت من خلال ما حصل قدرة البعض ممّن استمدوا قوة قاهرة من الخارج على احكام السيطرة على المؤسسات، وتجاوزوا إرادات قوى لبنانية عجزت عن المقاومة، وذنبها انها طلبت العودة الى الدستور حضاً منها على وضع القانون العتيد بلا جدوى.
على هذه الخلفيات، تراجعت الثقة اكثر مراراً بقدرة اللبنانيين على إدارة شؤونهم الداخلية بلا وصي كان يفرض عليهم معادلات مختلفة. فاهتزّت المؤسسات الدستورية وتوالت الازمات الحكومية والسياسية والدستورية على هامش الخلاف حول القانون العتيد، وكان من أبرز نتائجها ما دفعه المجلس الدستوري من أثمان لم يكن يتوقعها أحد. فتعطل عمله غصباً عن إرادة بعض اعضائه ممَّن تحسّسوا أنّ رؤوسهم في خطر فاستسلموا للأمر الواقع.
وبمعزل عن هذه التطورات السلبية التي عاشتها البلاد في مراحل متعددة، ليس من السهل الإعتقاد أنّ البلد قد تجاوزها ويمكن المؤسسات الدستورية أن تمنع تجددها مرة أخرى.
وما يؤكد هذه المخاوف أنّ التفاهم الذي أنهى الشغور الرئاسي وأدّى الى تشكيل الحكومة الجديدة لم يحقق أيّ خطوات إضافية يمكن أن تشمل القانون الجديد للإنتخاب. فأبطال ما سُمّي الصفقة الرئاسية والحكومية التي ترجمت سلسلة اوراق النيات والتفاهمات الثنائية الغامضة عجزوا عن التوصل الى قانون جديد للإنتخاب.
لا بل فقد حاول البعض منهم تحت شعار «لقاء الأقوياء الأربعة» استغلال هذه التفاهمات لفرض مشاريع قوانين فضحت نفسها بنفسها بهدف الإستئثار بالتمثيل النيابي فتهاوت كلها لمجرد اختلاف المصالح الإنتخابية.
وأمام المشاريع المطروحة وتلك الموعودة فقد ثبت للقاصي والداني أنّ إصرار البعض على القوانين المختلطة ما بين الأكثري والنسبي، سيفتح الطريق أمام طعون مقبولة شكلاً ومضموناً أمام المجلس الدستوري بمجرد عدم الإلتزام مقدمة الدستور التي فرضت أن يكون «اللبنانيون متساوين أمام القانون».
ولذلك عليهم الإقرار بأنّ التفاهم على قانون متوازن وعادل يعتمد معياراً واحداً، سواءٌ كان نسبياً أو أكثرياً، وحده يقفل الطريق الى المجلس الدستوري.
وفي حال العكس سيكون مسموحاً القول إنّ هناك مَن يريد أن يمتحن المجلس الدستوري مجدداً، أو أن يمتحن العهد في بدايته فيخسر كثيراً ممّا وعد به من مساواة وإصلاح وتغيير، لأن ليس سهلاً خروجه من كبوته الجديدة في حال انقاد اليها بنفسه. فعند الإمتحان يُكرم المجلس والعهد معاً أو يُهانان؟!