لم يكن دوام عمل موظفي بنك عودة - فرع بعبدا على الطريق العام الدولية، عادياً أمس، فلحظات الخوف التي عاشوها مع زبائنهم، تترجَمت خلالها مشاهد أفلام الرعب في حياتهم الحقيقية، وبدأوا يسألون أنفسهم: هل يجب أن نترك أعمالنا كلّما رُكنت سيارة ما أمام المصرف لنرى ما إذا كان أحد الملثّمين المسلحين سينزل منها ويدخل بكلّ وقاحة، مهدّداً إيانا بالسلاح وساطياً على الأموال، بمساعدة من هم مثله؟ تعرّضَ مصرف عودة للسطو المسلّح أمس، بعدما دخل إليه شخصان وشهَرا السلاح على كلّ من كان داخل المصرف، وطلبا من الجميع البقاء في أماكنهم وعدمَ التحرّك، واضعَين مسدّساً في ظهر عنصر الأمن المولج حماية المصرف، ومعتديَين بالضرب والتكسير على الـ"الكونتوار" في المصرف.
وتحدّثت المعلومات عن سلبِ المسلحين لمبلغ وقدره 30 مليون ليرة ليفرّوا بعدها في سيارة داكنة الزجاج، حيث كان ينتظرهما اثنان آخران.
قد تكون السرعة إحدى أبرز صفات العملية، إلّا أنّ خبرة المسلحين وتحضيرهم المكثّف للعملية هو ما كان لافتاً، فالفرع المستهدف يقع في منطقة أمنية تشهَد انتشاراً مسلّحاً كثيفاً نظراً للمراكز الأمنية الموجودة هناك. وفي هذا الإطار يوضح مصدر أمني لـ"الجمهورية" سيناريو ما حدث.
تصوّر... تصميم... فتنفيذ
تملك المصارف عادةً أجهزةَ إنذار مربوطة بغرفة عملية موحّدة لها كلّها، كما أنّ حماية الفروع تعود لشركات تأمين خاصة، ومن الممكن أن يدخل مسلحون إلى المصرف على أنّهم أشخاص عاديون ولا يتنبّه أحد إلى حيازتهم أسلحةً في حال لم يُفتَّشوا.
المؤكّد هو أنّ من ينفّذ عمليات السطو على المصارف لا يأتي إليها صدفةً إنّما عن سابق تصوّر وتصميم، بعدما يكون قد قصَد المصرف وراقبَه مرّات عدة وبات يعرف الثغرات الأمنية الموجودة في الفرع، ويكون قد استطلع الطريق التي سيهرب منها، إضافةً إلى آليّة عمل موظفي المصرف وحرّاسه وتوزّع كاميرات المراقبة تقريباً.
الفروع الصغيرة تُستهدف لكن...
غالباً ما تحدث عمليات السطو في الفروع الصغيرة البعيدة والتي يمكن الهروب منها بسهولة، والتي يكون حجم التبادلات فيها قليلاً وزبائنها أيضاً، وتكون الحراسة على هكذا فروع عادية، لذلك غالباً ما تُختار المناطق الواقعة على أطراف المدينة أو في المناطق البعيدة عن مراكز المدن، واكتمال هذه الصفات يفتح عيون السارقين على فرعٍ دون سواه وإن كان المبلغ الذي سيُسرق أقلّ، إذ إنّ نسبة نجاح السرقة تكون أعلى.
لكنّ عملية أمس استهدفت مصرفاً كبيراً على طريق عام، وتقاسم فيها السارقون الأدوار ما بين مهاجمَين للفرع وحارسَين لهما في الخارج، ودخلوه ملثّمين، ما يدلّ على كبَر الجريمة والتحضير المسبق والمكثّف لها، وهو ما اعتبرَته الجهات الأمنية عملاً "جريئاً" نظراً لموقع المصرف في مربّع أمني، مرَجّحين أن يكون المسلحون قد توجّهوا بعدها نحو منطقة الجمهور صعوداً إلى البقاع، فعودتُهم الى بيروت مستبعَدة كون الطريق التي سيضطرّون إلى سلوكها معزّزة أمنياً ولن يستطيعوا المرور فيها من دون إلقاء القبض عليهم.
وقت التنفيذ مدروس
ويشير المصدر الأمني إلى أنّ "الوقت المختار لتنفيذ العملية مدروس، فلا ازدحام في المصارف منتصف الشهر، كما أنّ توقيت العملية لا يشهد وجوداً مكثّفاً للزبائن، كذلك الانتشار الأمني، عدا عن سرعة العملية التي ساعدتهم"، مستبعداً أن "تكون العملية فردية، فمِن الواضح أنّ عصابة محترفة نفّذتها، وذلك بيّنَ من خلال تقاسُمَ الأدوار، ومن الممكن أن يكون هناك عناصر إضافية ساعدتهم عن مسافة أبعد قليلاً، وهو ما سيَكشفه التحقيق، لكن من المؤكد أنّهم استفادوا من ثغرةٍ ما بعد مراقبتها، خصوصاً وأنّ موقع المصرف أدنى بقليل من مستوى الطريق، حيث إنّ من يمرّ بجانبه لا ينتبه إلى ما يحدث داخله إلّا إذا ركّز، لذلك ظروف العملية مجتمعةً تُعتبَر مدروسةً وليست على ما يبدو فردية، كما يحصل عادةً".
وعن ملاحقة السارقين، يكشف المصدر أنّه "بعدما حصلت السرقة فوراً، باشرَت القوى الأمنية تحقيقاتها لمعرفة السارقين، وذلك عبر تعقّبِ كاميرات المراقبة وتلك الموجودة على الطرقات لمعرفة الاتّجاه الذي ذهبَت فيه وسائل النقل التي استخدموها، ومراجعة داتا الاتصالات، إضافةً إلى الاستماع للموظفين لتحديد لهجة السارقين وتصرّفاتهم، وتكوين فكرة عن ملامحهم من خلال كاميرات المراقبة داخل المصرف وعلى الصندوق"، مضيفاً: "هناك سيارة محدّدة الأوصاف عُمّمت على كافة الحواجز الأمنية وتتمّ ملاحقتها، علماً أنّ القوى الأمنية ترجّح أن تكون مسروقة، ومن الممكن أن يتركها المسلّحون على الطريق ويهربوا بغيرها، وهو ما ستُبيّنه الملاحقة".
إذاً، عملية أمس لا تتعدّى كونها "جوع" كائنات بشرية للمال، فحتى في أرقى دول العالم تتعرّض المصارف للسطو، لكنّ المضحك المبكي هو وقاحة المجرمين الذين باتوا يدخلون وسط المناطق الأمنية وينفّذون مخطّطاتهم الإجرامية فيها بكلّ وقاحة، غيرَ آبهين لهيبة الدولة الحاضرة، فهل تكون عقوبة جريمتهم مضاعَفة إذاً؟