يفترض بالقوى السياسية أن تودِع يوم الأربعاء كحدّ أقصى جوابها لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حول طرحه الانتخابي أو «قانون الحشرة» كما سمّاه في مؤتمر صحافي عقده أمس. وزير الخارجية جاهز في هذا السياق «لكل التدوير المطلوب»، وحتى «للتفتيش عن صيغة ثانية»، ولكن النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة أبعِدت من احتمالات صِيَغه لأنها «غير قابلة للتحقق»!

لكن قبل الوصول إلى يوم الأربعاء، يبدو أنّ اقتراح باسيل لن يمرّ. فهو يلقى معارضة شديدة من كل من حزب الله وحركة أمل والنائب وليد جنبلاط وتيار المردة والحزب القومي، وغيرهم من القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي. وبرأي عدد من متابعي النقاشات بشأن قانون الانتخاب، لن يحظى مشروع باسيل بفرصة للتحول إلى قانون، لأسباب سياسية «بديهية»، متصلة بالتناقضات التي فيه. فرئيس التيار الوطني الحر يريد في اقتراحه جمع الأضداد: تيار المستقبل الذي يريد الحفاظ على عدد نوابه، والمطالبين باستعادة المقاعد المسيحية من المستقبل، والمطالبين بتمثيل معارضي التيار الأزرق. وهو يريد عدم تضخيم كتلة القوات، ويمنحها قانوناً يضاعف عدد نوابها. يريد إقناع حزب الله، ويعرض عليه اقتراحاً يُقصي حلفاءه السنّة والمسيحيين.
وبناءً على ذلك، جمع باسيل في «قانون الحشرة» ما بين القانون الأرثوذكسي والنسبي، لكن بطريقة مشوهة، حيث حوّل الأول من أرثوذكسي نسبي على أساس لبنان دائرة واحدة، إلى أرثوذكسي أكثري ينتخب وفقه 64 نائباً في 14 دائرة. ويقول رئيس التيار في معرض طمأنته القوى السياسية بكل وضوح إنّ الدوائر الـ14 «تراعي الحزب الاشتراكي في مطلبه أن يكون الشوف وعاليه دائرة واحدة وتراعي المستقبل وأمل وحزب الله والتيار والقوات»! فيما جرّد النسبية الكاملة من نسبيتها وحوّلها إلى أكثرية مبطنة معروفة النتائج مسبقاً في المحافظات الخمس، خصوصاً إذا ما ارتبط الصوت التفضيلي بالقضاء. مجدداً، باسيل مرن على ما يؤكده، وسيترك الخيار والبدائل للأفرقاء الآخرين.
أما المفارقة في مؤتمر باسيل، فهي في اعتباره هذا القانون الطائفي والمجحف بحق الكثير من القوى المستقلة والأقليات مدخلاً إلى العلمانية الشاملة، رغم أنه يمنع المسلمين من انتخاب 32 نائباً مسيحياً، ويمنع المسيحيين من انتخاب 32 نائباً مسلماً، في تثبيت قانوني لفيدرالية طائفية. ويصعب التنبؤ في هذا السياق أيهما أبغض، قانون الستين أو «قانون الحشرة» اللذين يحققان المفاعيل نفسها ويعيدان إنتاج الطبقة السياسية الطائفية ذاتها، ويحوّلان الانتخابات إلى حفلة تعيين.

 


القوى السياسية لم تكشف، جميعها، أوراقها بعد. فقد أعلن كل من القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي وتيار المردة موقفه. القوات رحّبت باقتراح باسيل، لكنها ربطت قرارها بتوافق القوى الأخرى عليه، بحسب تعبير وزير الصحة غسان حاصباني. أما الاشتراكي، فرفضه بلا أي نقاش، وكذلك فعل «المردة». وعلمت «الأخبار» أنَّ تيار المستقبل وافق على طرح باسيل الذي فصّله أصلاً بالتوافق معه. إذ تؤكد مصادر التيار الوطني الحر أنَّ القانون الذي أعلنه باسيل أمس هو نتاج نقاشات مطوّلة بينه وبين نادر الحريري. لكن ذلك لم يحل دون اعتراض المستقبل على تقسيم الدوائر «النسبية» إلى خمس، إذ طالب التيار الأزرق بانتخاب 64 نائباً في دائرة واحدة.
وتنتظر غالبية القوى موقف كل من حركة أمل وحزب الله. الرئيس نبيه بري كان قد أبلغ زواره، قبل مؤتمر باسيل، أنه سيعارض المشروع إذا صحّ ما تنشره وسائل الإعلام عنه. وبعد المؤتمر، علمت «الأخبار» أنَّ موقف بري صار أكثر تشدداً، لأسباب شتى، أبرزها التصويت المذهبي. فوفق اقتراح باسيل، يمكن انتخاب رئيس لمجلس النواب، واختيار رئيس للحكومة، من دون أن يكون قد صوّت لأيٍّ منهما مقترع مسيحي واحد. يُضاف إلى ذلك أنَّ المشروع يستهدف منع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من الحصول على كتلة نيابية، وبالكاد يفوز بمقعد واحد.
أما حزب الله الذي يلتزم الصمت، فمن رابع المستحيلات أن يوافق على قانون يمنع أياً من حلفائه غير الشيعة من المنافسة للحصول على مقعد نيابي. فالنتيجة، في مشروع باسيل، ستكون محسومة سلفاً لتيار المستقبل في غالبية الدوائر ذات الثقل السنّي، ولتحالف القوات ــ التيار الوطني الحر في الدوائر ذات الغالبية المسيحية.
وبرز أمس تصريح لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أشار فيه إلى رفض حزب الله «لقوانين انتخاب تُطرح من خارج موازين الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ولا تحقق ضمانة للعيش الواحد والحفاظ على المناصفة، وتوفر حسن التمثيل وفعاليته وصحته وشموليته». وأضاف أنَّ «الصيغ التي طرحت حتى الآن كانت تتعرض للتعثر، وحزب الله لا يعرقل أي صيغة لأي قانون انتخاب. لكنه يعرقل الصيغ التي لا تريد قانوناً للانتخاب، والتي تريد لبنان مزرعة يتقاسمها الأزلام». وبحسب رعد، الحزب مقتنع بأن لا صيغة توفر صحة التمثيل في أيّ قانون انتخابي لا يعتمد النسبية الكاملة: «موقفنا واضح وسنبقى عليه إلى أن نتوافق على قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية الكاملة، نناقش بعدها في الدوائر إذا شئتم». وذلك «ليس من باب العناد»، فالفرصة «اليوم سانحة من أجل أن نحدث التغيير المطلوب، والتغيير برأينا ليس شعاراً، بل هو ممارسة ومعادلة، والتغيير فيه اصطفاف ومعرفة للحدود، ولا يتم بالحفاظ على الأحجام السابقة. والتغيير لا يفترض أيضاً تقليص الأحجام السابقة، كما لا يفترض تضخيم بعض الأحجام اللاحقة».
بدوره، أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «أننا مع النسبية بمراتبها المختلفة، سواء كانت نسبية دائرة واحدة على مستوى لبنان، أو نسبية على مستوى ثلاث عشرة دائرة، أو النسبية على خمس محافظات. المهم أن تكون القاعدة هي النسبية، لأنَّ النسبية تنصف الناس وتمثل جميع القوى من دون استثناء، بينما القانون الأكثري يبدأ بمصادرة حق 49% من الناخبين قبل أن تصدر النتائج، لأنَّ من ينجح هو من يأخذ 51%». ولكنه من جهة ثانية أعلن انفتاح الحزب على مناقشة القوانين المقترحة «بروحية التسهيل، عسى أن نتمكن من الوصول إلى قانون منصف له معايير موضوعية ومتساوية تقترب من الحد الأقصى من النسبية».