في اليوم الأوّل من الأسبوع المفترض أن يكون مصيرياً، اغرق البلد في مياه آذار غير المحسوبة، مسبباً عجقة سير أبقت السيّارات لساعات في الشوارع، واغرق الطبقة السياسية في ساعات عجاف من الترقب «للاقتراح البهلواني» الذي ابتكره الوزير جبران باسيل، وأمهل الأطراف السياسية الأساسية حتى الساعة 12 من ليل غد الأربعاء، حيث ينهمك المجلس النيابي في جلسة أو أكثر، وفي يوم أو اكثر من الاطباق على سلسلة الرتب والرواتب، المفترض أن تقر معدلة او مجتزأة أو «منتوفة»، بتأثير ضربات القطاعات التعليمية والادارية التي تنتظر على الكوع لتبني على الشيء مقتضاه، وفي يدها أوراق ربما تصيب المصالح، لكن بالتأكيد لن ينجو منها مصير العام الدراسي وشهادات التلامذة، فيما أعلن مجلس القضاء الأعلى الاعتكاف (اي توقيف الجلسات والإجراءات المتعلقة بها في المحاكم) وتضامن معه قضاة المحاكم الشرعية السنية والجعفرية، باعتبار هذه المحاكم جزءاً لا يتجزأ من التشكيلات القضائية في لبنان، وكذلك نقابة المحامين في بيروت، واقفل وزير العدل سليم جريصاتي خط هاتفه قبل جلسة مجلس الوزراء وبعدها.
وجاء في خلفيات بيان الاعتكاف الذي عممه رئيس مجلس القضاء القاضي جان فهد أن «الخطوة مستمرة إلى حين معالجة الخلل القائم في مشروع سلسلة الرتب والرواتب».
وعدد البيان أسباب الاعتكاف بعدم الوقوف على رأي المجلس بشأن مشاريع القوانين المتعلقة بأوضاع القضاة باعتبار السلطة القضائية سلطة مستقلة ولا يجوز سن تشريعات بمعزل عنها.
اما المآخذ، فهي: استثناء القضاة في المادة الثانية من الباب الاول المتعلق بأحكام الرواتب والأجور، وتعديل دوام العمل الرسمي والاضافي، بحيث أصبحت العطلة القضائية شهراً واحداً بدل ثلاثة أشهر، فضلاً عن زيادة ساعات العمل من 32 ساعة في الاسبوع الى 35 ساعة، اضافة الى المس بما يعتبره القضاة حقوقاً متعلقة بصندوق التعاضد.
اما روابط المعلمين فتوقفت هي الأخرى عند المس بالحقوق المكتسبة لأساتذة التعليم الثانوي والمهني والتقني، كما حذّرت رابطة معلمي التعليم الأساسي من تمرير المادة 32 من مشروع السلسلة، وطالبت بإلغائها لأنها تنقض على مكتسبات المعلمين التي ضمنها القانون 223، مطالبة بإعطاء المعلمين درجات استثنائية اسوة بموظفي الإدارة.
واكدت رابطة الثانوي أمس على تطوير اشكال التحرّك، ومنها سحب التوطين من المصارف والبنوك ونصب خيمة امام مجلس النواب بدءاً من مساء اليوم وحتى اشعار آخر.
الموازنة
في هذه الأجواء، لم تتمكن الجلسة 11 من جلسات مجلس الوزراء من إنجاز موازنة العام 2017 على الرغم من القرار السياسي المتخذ على هذا الصعيد والنقاش بالارقام على مدى أكثر من 6 ساعات، واتفق على عقد جلسة بعد ظهر الجمعة في السراي الكبير، لاعادة قراءة المواد والارقام والفذلكة، تمهيداً لاعلان انجازها رسمياً.
وربط مصدر وزاري بين مطالب القطاعات واعتراضاتها وبدء جلسات مجلس النواب لإقرار السلسلة، انطلاقاً من انه لا يمكن ضرب عرض الحائط بالمواقف القطاعية التي صدرت، سواء من قبل الهيئات الاقتصادية والروابط التعليمية والإدارية وصولاً الى سلك القضاء العدلي والشرعي.
وفي المعلومات أن خلافات بين الوزراء طرأت بالنسبة لارقام موازنات الوزارات، بحيث تمت إضافة مائة مليون على موازنة الاشغال، كما أضيفت على موازنة وزارة الطاقة 100 مليار ليرة، مما خلق مشكلة في الارقام النهائية، اقتضى إعادة قراءتها ومراجعتها للبت بها بشكل نهائي، بحسب ما اعلن وزير المال علي حسن خليل بعد انتهاء الجلسة، وكذلك وزير الإعلام ملحم رياشي.
لكن مصادر وزارية أبلغت «اللواء» أن موضوع العائدات والاصلاحات الإضافية لا يزال يحتاج إلى بعض الدراسة، مشيرة الى أن بعض الأفكار الاصلاحية الجديدة قيد الدرس مثل موضوع الضريبة على الأرباح التي جرت بالنسبة إلى العمليات المالية في السنة الماضية.
وأوضح نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسّان حاصباني لـ«اللواء» أن مجلس الوزراء التزم ببحث ملف الكهرباء خلال عشرة أيام، على أساس أن يتقدّم وزير الطاقة سيزار ابي خليل بخطة لتطوير العمل في هذا القطاع، بحيث يتاح لمجلس الوزراء إلغاء تراخيص للقطاع الخاص بانتاج الكهرباء على ان تشتري منه الدولة هذا الإنتاج. مشيراً الى أن هذه الخطة من شأنها ان توفر على الخزينة مليار دولار سنويا.
وكان لافتاً خلال الجلسة أن الرئيس سعد الحريري استهلها بالحديث عن التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة ضد لبنان، وطلب من وزير الخارجية اعداد جردة بهذه المواقف الإسرائيلية لاعداد رسالة مفصلة الى مجلس الأمن الدولي، لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته في مواجهة هذا التوتير المقصود والتهديد العلني للاستقرار الإقليمي.
واعتبر أن هذه التهديدات المتكررة على لسان مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية والموجهة إلى المدنيين اللبنانيين وإلى مؤسساتهم الشرعية وبناهم التحتية، هدفها التغطية على انتهاكات اسرائيل الدائمة للقرار 1701 الذي يلتزم به لبنان ويدعو دائماً الى تطبيقه بكامل مندرجاته.
قانون الانتخاب
سقط مشروع قانون الانتخاب الذي كشف عن عناوينه الوزير باسيل بعد اجتماع المجلس السياسي «للتيار الوطني الحر» كالمياه الباردة على رؤوس الذين تابعوه عبر الشاشة أو اطلعوا عليه.
وتركز اقتراح باسيل على المبادئ التالية:
1 – توزيع المقاعد بالتساوي بين الأكثري والنسبي 64*64، على اعتبار أن هذا الاقتراح يراعي المناصفة وصحة التمثيل، ووصفه بالقانون العادل في مرحلة استعادة الميثاقية.
2 – اعتماد روحية القانون الارثوذكسي بأن تنتخب كل طائفة نوابها في النظام الأكثري.
3- إنشاء مجلس شيوخ تكون رئاسته لمسيحي غير ماروني، ويرجح ان يكون ارثوذكسياً.
وخاطب باسيل القوى السياسية بأنكم إذا كنتم لا تريدون قانوناً لا طائفياً فتفضلوا إلى مشروع النسبية الكاملة، واصفاً طرحه بأنه «خطوة فيها إصلاح كبير»، وسيعود باسيل إلى الكلام عن هذا الموضوع في عشاء التيار اليوم.
وترك الاقتراح ذيوله على جلسة الموازنة، فرد باسيل على وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي قال انه لم يبلغ بموافقة «المستقبل» على الاقتراح، قائلاً: «يبدو انني أسرع من الوزير المشنوق».
اما وزير «المردة» يوسف فنيانوس، فقال «نحن ندرس القانون وسنعلق عليه لاحقاً»، ونحن مع مجلس الشيوخ، في حين قال وزير «المردة» السابق يوسف سعادة: «اليوم بعدما سمعنا اقتراح باسيل تبين لنا ان المكونات التي يجب مراعاتها هي المسلمون والمسيحيون والأحزاب، إضافة إلى شخصه الكريم».
وفي حين كشف رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور لـ«اللواء» ان القوات أطلعت على المشروع وهي تؤيده، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ان «الحزب مع النسبية بمراتبها المختلفة لأنها تنصف النّاس وتمثل جميع القوى بدون استثناء، في حين أكّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد ان لا صيغة لصحة التمثيل الا بالنسبية الكاملة»، وليغرد من يغرد أينما شاء وكيفما شاء فالنسبية أولاً ثم نناقش الدوائر.
وكان لافتاً للانتباه ان الرئيس الحريري اختلى بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء بالوزير باسيل لبعض الوقت، وجرى بحث بالاقتراح من دون ان ترشح أية معلومات في شأن تفاصيل البحث والمواقف.
لكن نائباً في كتلة «المستقبل» النيابية، ذكّر بأن الكتلة ما تزال على موقفها من المشروع الذي سبق وقدمته مع «القوات اللبنانية» والحزب الاشتراكي.
على ان الرد الأقوى جاء من الأطراف الدرزية، فالوزير السابق وئام وهّاب من باريس، قال ان رئاسة مجلس الشيوخ هي للدروز.
ونقل عن عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل ابوفاعور رفضه للاقتراح واصفاً اياه «بالصيغة الغريبة»، وهو ما كان متقاطعاً إلى حدّ ما مع موقف وزير المهجرين طلال أرسلان الذي أعلن تمسكه بالنسبية الكاملة غير المجزأة.
وسيعبر الحزب التقدمي الاشتراكي الأحد في حشد المختارة لمناسبة ذكرى استشهاد مؤسس الحزب كمال جنبلاط بلسان تيمور وليد جنبلاط عن رفضه المس بموقع الطائفة الدرزية، وعدم قبول الحزب بالاقتراح الهجين.
وفيما تريث الرئيس نبيه برّي بابداء أي موقف بانتظار أمر ما، أو الاطلاع على كامل المشروع والمعطيات المحيطة به، رفض مصدر في 8 آذار المشروع، وتوقع ان يكون مصيره مثل مصير المشروعين السابقين.
وسجل المصدر الملاحظات التالية:
1- لا وحدة للمعايير المعتمدة من حيث توزيع المقاعد بين النسبي والاكثري على أساس الارثوذكسي، فالنتائج ستفرز مسبقاً قبل اجراء الانتخابات.
2- ان المشروع نظراً لتركيبته الطائفية واعتماد الارثوذكسي الذي سبق ورفضته حركة «أمل» وتحفظ عليه «حزب الله» والأحزاب الحليفة، يُعزّز القوقعة الطائفية والمذهبية ويرفع من حمى الصراعات الطائفية والمذهبية بدلاً من اطفائها.
3- يُشكّل المشروع عودة إلى الوراء لجهة احياء النظام الملي في التمثيل النيابي.
4- يأخذ البلاد إلى أزمة، بدءاً من 20 حزيران المقبل في ظل توجه الوزير المشنوق لطلب اعتمادات مالية لاجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي