هزّ انفجاران، صباح السبت، ساحة الزوار في مقبرة "باب الصغير" في دمشق القديمة، استهدفا باصات تقل زواراً شيعة من العراق، كانوا قد وصلوا عبر مطار دمشق الدولي، ظهر الجمعة، بإدارة مكتب السياحة الدينية لـ"الحاج علي حسين عليوي"، وذهبوا لزيارة مرقد رقية، قبل التوجه إلى مقبرة باب الصغير، التي تضم مقبرتي "شهداء كربلاء" و"آل البيت".
إعلام النظام غير الرسمي، وفي تصريحات متناقضة، قال إن عبوتين ناسفتين، انفجرتا بفارق خمس دقائق بالقرب من الباصات، بينما نقل الإعلام الحربي التابع لمليشيا "الدفاع الوطني" المسيطرة على المنطقة، أن انتحاريين فجّرا نفسيهما أثناء تجمع الزوار للانطلاق من المنطقة. وكانت مليشيا "الدفاع الوطني" قد نعت 16 مقاتلاً قضوا في التفجيرات. بينما نقلت "وكالة سانا" نبأ مقتل أربعين زائراً عراقياً في تفجير مزدوج في دمشق القديمة. وكانت مصادر محلية، أكدت سقوط قذيفة صاروخية مجهولة المصدر في منطقة قريبة من "باب الصغير"، قبل عشر دقائق من التفجيرات، من دون أن تُخلّف أضراراً بشرية. فيما نقلت مصادر، قيام "وحدات الهندسة" التابعة لقوات النظام، بعد حدوث الانفجارات، بتفكيك عبوة ناسفة بالقرب من سور المقبرة المذكورة، وعبوتين اثنين في مدينة جرمانا قبل انفجارهما، وسط تشديد أمني مكثف على مداخل ومخارج دمشق القديمة على وجه الخصوص، وأحياء دمشق عموماً.
وفرضت المليشيات الشيعية بالاشتراك مع "الدفاع الوطني" و"الأمن الجنائي"، طوقاً أمنياً في محيط منطقة التفجير، مع حضور شخصيات قيادية من المليشيات الشيعية من أحياء الشاغور والأمين، مع منع الصحافيين السوريين غير الشيعة من الدخول إلى المنطقة. وسارعت "محافظة دمشق" إلى إرسال العشرات من العمال مع الآليات لتنظيف المنطقة فور الانتهاء من نقل الجرحى، على غير العادة في التفجيرات السابقة.
وعلمت "المدن" من مصدر طبي في مشفى المجتهد، الذي استقبل معظم الجرحى والقتلى، أن أعداد القتلى تعدت 55 مع عشرات الجرحى الذين لم تتسع لهم غرف الإسعاف، فتم تحويلهم إلى مشاف أخرى. وكانت قيادات شيعية رفيعة المستوى، وقيادات النظام على رأسهم رئيس الوزراء عماد خميس ووزير الداخلية محمد الشعار، قد حضروا إلى المشفى، بعد أقل من ساعتين من التفجير، لزيارة الجرحى.
التفجير الذي خلف أكثر من خمسين قتيلاً على رأسهم الرادود الشيعي سيد عبد الكريم الموسوي، لم تتبناه أي جهة معارضة حتى الآن، باستثناء بيان مزور تم نشره في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل توقيع "ألوية سيف الشام" التابعة إلى "الجبهة الجنوبية". "الألوية" كذّبت البيان وأكدت تزويره.
مسؤول العلاقات العامة والتواصل في "ألوية سيف الشام" أبو غياث الشامي، نفى لـ"المدن"، صلة الألوية أو "الجبهة الجنوبية" بالتفجيرات، مشيراً إلى أن ذلك الخرق الأمني يحمل بصمات أجهزة النظام، ومن خلفها روسيا. فاتهام "الجبهة الجنوبية" بالتفجير، وهي التي كانت طرفاً في مفاوضات جنيف وأستانة، يتماشى مع اتهام روسيا للجيش السوري الحر بعرقلة المفاوضات.
وتدور إشاعات عن مسؤولية "هيئة تحرير الشام" واحتمال اصدارها بيان تبنٍ للعملية، خلال الساعات القادمة. وأياً يكن، يشير مراقبون إلى صعوبة الوصول إلى الباصات من قبل أي فصيل معارض، خاصة أن عملية نقل الزوار تتم عبر باصات خاصة وبتنسيق مع المليشيات الشيعية، لخطورة المنطقة التي تم بها التفجير؛ من انتشار عناصر المليشيات إلى مراقبة الشوارع بالكاميرات. والأمر إن تمّ على يدّ "هيئة تحرير الشام"، فإنه يرجح تورط جهة أمنية سهّلت عبور المهاجمين. ويشير مراقبون إلى احتمال تورط جهة موالية لروسيا في العملية، مع تصاعد الخلاف مع إيران، حول تواجدها العسكري في دمشق وريفها، والعمليات العسكرية التي تقودها المليشيات الشيعية بشكل منفصل في كثير من الأحيان. كما يعتقد البعض أن التفجير هو ردّ روسي على ما حدث قبل أيام في حمص، من عملية تبنتها "هيئة تحرير الشام" واستهدفت بها جهازي "الأمن العسكري" و"أمن الدولة" المواليين لموسكو، بتسهيل من مليشيا "الرضا" الشيعية و"المخابرات الجوية" الموالية لطهران.
هذا عدا عن الخلاف الاقتصادي بين الطرفين، وتلكؤ النظام في تنفيذ الاتفاقيات التي كان رئيس الحكومة عماد خميس، قد وقعها في طهران في 17 كانون الثاني/يناير 2017، ومن ضمنها تأسيس شركة اتصالات جديدة في سوريا. وتشير تقارير إلى أن شركة "MCI" الإيرانية للاتصالات مرتبطة بـ"الحرس الثوري الإيراني" وكانت قد تقدمت بعرض سابق في العام 2010، قوبل بالرفض من قبل النظام، لتحصل مؤخراً على ترخيص من دون المباشرة حتى اليوم في تنفيذ المشروع. التأخير في التنفيذ كان قد أثار استياء طهران، وكانت "وكالة رويترز" قد نقلت عن الباحث كريم سجادبور، قوله إن "الاتصالات قطاع حساس للغاية، سيسمح لإيران بمراقبة وثيقة للاتصالات السورية"، الأمر الذي أثار تحفظات كثيرة لموسكو التي عمدت مؤخراً الى تزويد النظام السوري بأجهزة حديثة لمراقبة الاتصالات، وتحديث مشغلات الانترنت في سوريا، وسط وعود بإدخال انترنت الألياف الضوئية إلى البلاد.
وكانت الاتفاقية بين دمشق وطهران، الموقعة مؤخراً، قد نصت على استثمار إيران لأراضٍ تبلغ مساحتها خمسة آلاف هكتار، تمتد من مدينة داريا التي باتت مرتعاً للمليشيات الشيعية إلى السيدة زينب أكبر معاقل إيران في ريف دمشق، ومركز انطلاق عملياتها العسكرية. إلا أن حكومة النظام أصرت على أن تكون تلك الأرضي في محافظة الرقة معقل تنظيم "الدولة الإسلامية". وكانت صحيفة "الحياة" قد ذكرت قبل يومين في تقرير لها أن موسكو تدخلت لإجراء تغييرات في مشروع "بساتين الرازي" الذي تشرف عليه إيران بشكل مباشر، لتحول دون إجراء تغيير ديموغرافي في المنطقة.
ولم تتوقف الأمور عند الجانب الاقتصادي، بل ظهر الخلاف الإيراني الروسي بشكل واضح في العمليات العسكرية في سوريا عموماً وريف دمشق على وجه خاص. وأكدت مصادر خاصة لـ"المدن"، أن روسيا تعمد إلى حلّ الأمور في ريف دمشق، من خلال "المصالحات" ومن دون عمليات تهجير، تزامناً مع أعمال عسكرية ضد مناطق المعارضة، بينما تسعى إيران لتهجير من تبقى في ريف دمشق إلى شمال سوريا، لتبسط سيطرتها على دمشق ومحيطها لأسباب سياسية ودينية واقتصادية. الأمر الذي دفع بالروس لنشر شرطة عسكرية في مناطق تمركز المليشيات الشيعية؛ أبرزها محيط وادي بردى وسرغايا، مع تفعيل "الفيلق الخامس" بشكل جدي في معركة تدمر والاستمرار في إغراء الشباب المتطوعين في المليشيات الشيعية لتركها والانضمام إلى "الفيلق".
ويُعتقد أن تفجيرات دمشق ستحد من حركة الزوار الشيعة بقصد "السياحة الدينية" إلى دمشق، خاصة مع كثرة المكاتب في الآونة الأخيرة وازدياد الوفود بشكل ملحوظ والتي باتت بشكل شبه يومي، خوفاً من تحولها إلى تغيير ديموغرافي مع استيطان عشرات العوائل والمقاتلين في السيدة زينب ودمشق القديمة منذ التدخل العلني في سوريا،.وتشير المصادر إلى نية إيران توطين عراقيين وشيعة من جنسيات أخرى، في حال تم إنهاء مشروع بساتين الرازي واستثمار أراضي داريا. فضلاً عن قيام المليشيات الشيعية بتدشين "مضافة" تابعة لمقام زينب جنوبي العاصمة، مع تركيب أجهزة إنذار حول المنطقة، بمشاركة رجال دين شيعة، شاركوا في وضع حجر الأساس للمشروع قبل أيام.
عملية استهداف باصات الشيعة في دمشق، هي الثانية من نوعها خلال العامين الماضيين. وكانت "جبهة النصرة" قد استهدفت في كانون الثاني/يناير 2015، حافلة تقل زواراً لبنانيين عند مدخل سوق الحميدية في دمشق القديمة.