ليس عابراً كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي عن حزب الله ومشاركته في الحرب السورية، وسلاحه وتقسيمه اللبنانيين. فهو يشير إلى أن شهر العسل بين بكركي وحارة حريك ليس على ما يرام. فصحيح أن الراعي سبق له أن أعلن مواقف مشابهة، لكن لم تكن تمرّ ساعات قليلة إلا ويصدر بيان توضيحي. لكن هذه المرة، مرت أكثر من 48 ساعة ولم يصدر أي موقف توضيحي. ولدى سؤال مصادر متابعة عن حقيقة الموقف، وإذا ما كان هناك إمكانية لتبديله، تجيب أن هذا الموقف ثابت، ولن يتغير.
أراد الراعي العودة إلى الثوابت، والتذكير بالقضية الأساسية وإعادة دخولها من الباب الواسع، في موقف يذكّر بمواقف البطريرك السابق نصرالله صفير، لأنه يرى أن البلد ذاهب نحو الأسوأ على أكثر من صعيد. ولا يمكن لهذا الموقف أن يتخذ، ويثبّت بلا أي معطيات خارجية تدعمه. والأكيد أن رأس الكنيسة المارونية لم يتحدث بلسانه فحسب، بل عبر عن فئة واسعة من اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً. وهو يأتي بعد سلسلة من اللقاءات والجولات التي أجراها الراعي، والتي سمع خلالها ما حتّم عليه إتخاذ هذا الموقف، خصوصاً لقاءه بوفد من اللوبي اللبناني في واشنطن، والذي سمع منه مواقف تصعيدية ضد إيران وحزب الله.
طوال الفترة السابقة، لم يذكر أحد مشاركة حزب الله في سوريا، ولم يثر أحد مسألة سلاح حزب الله. هذه النغمة عادت إلى البازار السياسي، مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وبعد سلسلة مواقف له تشير إلى وجوب إخراج حزب الله وإيران من سوريا. كما أن موقف البطريرك يتزامن مع الحديث عن اجراءات عقابية جديدة ضد الحزب على الصعيد الدولي، من بوابة العقوبات المالية.
عليه، فإن الموقف الأخير يشكّل تغيّراً في توجهاته، ويعكس شيئاً من التحول في الموقف الدولي، خصوصاً في المسألة السورية. كذلك يعكس موقف الراعي، بطريقة أو أخرى، موقف الفاتيكان، الذي يبدو أن موقفه تغيّر أيضاً، بعدما كان موقفه يغض النظر عن وجود الحزب في سوريا تحت شعار حماية الأقليات.
وتعتبر مصادر متابعة أن مواقف الراعي السابقة، التي منحت حزب الله الغطاء في أكثر من مرّة، كانت نتيجة وجود جوّ دولي يغطّي وجود حزب الله في سوريا. وتشير المصادر إلى إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي كان متحمّساً جداً للتعاون مع إيران. أما اليوم فكل شيء يتغير، خصوصاً في ضوء استعداد ترامب لمواجهة إيران في سوريا وغيرها، خصوصاً أنه يصفها بأحد أكبر الدول الراعية والمصدّرة للإرهاب.
أوصل الراعي رسائل سياسية في أكثر من اتجاه، خصوصاً في معرض احيائه إعلان بعبدا، إذ اتهم الحزب بعدم الإلتزام به. ولم يكتف بالتصويب على خرق حزب الله معادلة النأي بالنفس والقتال خارج الحدود، إنما أثار أيضاً موضوع سلاح الحزب، إذ قال: "أنا مواطن لبناني، وشريكي مواطن أيضاً. أنا أعزل وهو مسلّح. وهذا شيء غير طبيعي. لكن الدولة اللبنانية لم تحسم أمرها في هذا الموضوع". وترى المصادر أن هذا الموقف لن يقتصر على الراعي، بل إن هناك قوى مسيحية أخرى ستتخذ مواقف مشابهة