توضِح المعلومات انّ الاجتماع الذي عقدته النائب بهية الحريري مع قيادة «عصبة الأنصار» ساهمَ الى حد كبير في إقناعها بالعودة عن قرارها بعدم المشاركة في القوة الفلسطينية المشتركة.
وبحسب مصادر مواكبة، فإنّ رفض قيادة العصبة كان على صِلة برفضها المشاركة في تسليم المطلوبين الارهابيين اللبنانيين وغير اللبنانيين الموجودين في المخيم للسلطة اللبنانية.
ووفقاً لوجهة النظر التي تطرحها العصبة إزاء هذه القضية، فهي لا تؤيّد هؤلاء المطلوبين، ولا تقدّم الغطاء الأمني او السياسي لهم، ولكنها حسب زعمها «لا تستطيع من خلفية شرعية (المقصود دينية) تسليمهم».
واقترحت «لرفع الحرج الشرعي عنها» أن يتمّ استبدال صيغة طلب الدولة اللبنانية من الفصائل الفلسطينية، بحيث لا يعود المطلوب حصراً، تسليمهم لها، بل التعاون لإخراجهم من المخيم.
وحتى هذه اللحظة فإنه على رغم عودة العصبة عن قرارها مقاطعة الاشتراك في القوة المشتركة، الّا انها لا تزال عند موقفها المستنِد الى تبرير شرعي ديني في شأن المطلوبين، فيما الدولة في المقابل مُصرّة على موقفها بتسليمهم لأنه من دون ذلك لن يكون ممكناً تحقيق تهدئة غير قابلة للاهتزاز في المخيم.
وتتوقّف مصادر متابعة للبحث في إعادة الهدوء الى المخيم بعد جولة العنف الاخيرة فيه،عند النقاط الأساسية الآتية:
أولاً، أثناء زيارة الرئيس محمود عباس لبيروت كرّر استعداده القبول بوضع المخيم تحت سلطة أجهزة الامن اللبنانية. ولكنّ الدولة اللبنانية التي لا تمانع مبدئياً تنفيذ هذا الامر، هي في الوقت عينه غير مستعدة لإدخال قواها الامنية الى المخيم إلّا في حال انتهت فيه ظاهرة الارهابيين المطلوبين، لأنّ وجودهم فيه سيتسبّب بدماره في حال حصلت مواجهة بينهم وبين ايّ قوة تريد تطبيق الأمن فيه، سواء كانت لبنانية او فلسطينية.
ثانياً، كان لافتاً انّ حركة «حماس» حاولت طرح نفسها في مناسبة الازمة الاخيرة في المخيم بديلاً فلسطينياً أمنياً وسياسياً، تستطيع النجاح في حل ازمة فلتان الامن في عين الحلوة، وذلك حيث فشلت «عصبة الانصار» كقوة اسلامية وحركة «فتح» كقوة وطنية.
لقد رفعت «حماس» الى الجهات المعنية في الدولة اللبنانية ما سَمّته «خطتها لإنهاء الوضع الشاذ في المخيم»، ولكنّ الملاحظة الاساسية هي انّ خطتها هذه لم تتّسِم بالوضوح، فهي عرضت نقاطاً عامة، ولم يَرد فيها او بينها، ما الذي ستفعله عملياً لإنهاء مسألة الارهابيين الملطوبين، وكيف ستحقق أمناً ثابتاً في المخيم. وحينما تمّ الرد بإدراج هذه الملاحظات على مذكرتها، صمتت «حماس» ولم ترد.
ثالثاً، تقول مصادر مطلعة انّ مجمل عدد المطلوبين لا يتجاوز الخمسين عنصراً، ويبقى للبناني شادي المولوي المنزلة الاولى بينهم. وكانت جهات فلسطينية من غير الاسلاميين طرحت النقاش في صفقة تسليمهم على مراحل: الاولى تبدأ بتسليم اللبنانيين بينهم، ثم بالتتالي الفلسطينيين.
لكنّ واقع الحال يقول انّ تسليم الارهابيين، سواء اللبنانيين منهم او الفلسطينيين، لن يكون ممكناً من دون ضمان تأييد «عصبة الانصار» لهذا الإجراء، لأنّ الاخيرة تشكّل داخل المخيم ثقل «بيضة القبّان» العسكري والاجتماعي بين تياري المخيم الاسلامي والوطني.
ففي حال ساندت العصبة الفصائل الوطنية («فتح» وغيرها) في مهمة توقيف الارهابيين المطلوبين وتسليمهم، فإنّ الأمر لن يؤدي الى اندلاع حرب كبرى في المخيم، وفي حال اختارت حماية الارهابيين لأيّ سبب كان، فإنّ الفصائل الوطنية ستكون عاجزة عن تنفيذ هذه المهمة.
بات واضحاً الآن انّ مشاركة «العصبة» في تسليم المطلوبين الارهابيين الخمسين (كما يُشاع عن عددهم)، هو أمر غير ممكن، وحتى نظريتها عن «إخراجهم بدلاً من تسليمهم» أمر يتّسِم بأنه غير منطقي، خصوصاً لجهة الطريقة التي ستعتمد لإخراجهم. فمَن يضمن أنهم سيخرجون؟
وفي حال خرجوا، الى أيّ جهة سيذهبون؟ وكيف سيتم تنسيق خروجهم طالما انّ الدولة ليست في وارد غَضّ الطرف عنهم لحظة خروجهم من المخيم؟
رابعاً، ضمن الواقع الراهن لِما هو ممكن وشِبه مستحيل في شأن ما يمكن فعله داخل مخيم عين الحلوة لتثبيت الهدوء فيه، تتضِح ايضاً القوة العسكرية المشتركة المُستعاد إحياؤها، هي تجربة باتت مَمجوجة، ومعرّضة للفشل مرة جديدة في امتحان فرض الهدوء على المخيم، خصوصاً في هذه المرة التي يتم تشكيلها فيها تحت عنوان انه حل ليس هناك في اليد الآن أفضل منه.
وايضاً تحت عنوان انّ «عصبة الأنصار» تعود إليها بشرط مُسبق، وهو أنها خارج تغطية ايّ مهمة تقوم بها هذه القوة لتسليم المطلوبين الإرهابيين.
خلاصة القول انّ مخيم عين الحلوة في صيغته الجديدة على طريق محاولات تثبيت هدوئه ومنع خطر انفجاره على نفسه وعلى جواره اللبناني، يخضع لمقولة «ليس في الإمكان أفضل ممّا كان»، أي صَب ماء قليلة على حريق يهدّد بأن يكون كبيراً.