على صوت القذائف الصاروخية ورصاص القنص الذي ترددت اصداءه في الاطراف الجنوبية لبيروت، صدر امر اليوم الاول الذي وجهه قائد الجيش الجديد العماد جوزيف عون الى العسكريين محددا فيه اهدافه ورؤيته للجيش في الفترة المقبلة والتحديات التي تتطلب دقة في المتابعة. وفيما بدا اشتباك برج البراجنة كمعمودية نار اولى للقائد الجديد، الذي اشرف على الترتيبات والاجراءات المتخذة، رغم محدودية الاشكال في المكان والزمان، نجح فيها في ضبط الوضع ومنع تمدد نيرانه، فارضا شروطه محذرا من اي عمليات اخلال بالامن الداخلي والتي ستواجه بحزم، خصوصا عودة ظاهرة القناصين سواء في معارك عين الحلوة او اشتباكات امس.
اجواء اليرزة لم تختلف كثيرا بالامس عما كانت عليه، وان بدا الارتياح واضحا على وجوه شاغلي هذه المباني المزدانة بالاعلام اللبنانية واعلام الجيش، بعد مرحلة البلبلة التي سادت منذ حوالى الشهر مؤثرة على معنويات العسكريين، ليبدأ فجر جديد يتحدث عنه ضباط القيادة بايجابية وامل بتحقيق نقلة نوعية، بدأتا تباشيرها في سلسلة التشكيلات التي بدأ يحكى عنها والاسماء التي يقال انها ستشملها.
فالجنرال القادم من الجبهة الشرقية، والذي آثر في الفترة الاخيرة عدم ترك مقر قيادته منذ تداول اسمه الا نادرا، كي لا يفسر اي تحرك له خارج اطاره معتبرا انه لا يسعى وراء القيادة اما اذا تم اختياره فهو مستعد لتحمل المسؤولية، بحسب مقربين منه، كاشفين انه لم يزر ايا من المقرات السياسية او الفعاليات السياسية، وانه سمع بتزكيته للقيادة في وسائل الاعلام، قبل ان يتم ابلاغه رسميا قبل ايام، ليتخذ اجراءاته الامنية، وللمباشرة بتجهيز فريق عمله، من هنا كانت زياراته اليومية الى وزارة الدفاع والاجتماعات التي عقدها للاطلاع على الملفات وتسلمها، تزامنا مع تشكيلات طالت الفريق المعاون له، والتي ابقت على كبار الضباط الذين عملوا في مكتب القائد بتصرفه دون ان يصار الى تشكيلهم خلافا لما كان متوقعا، مصر على وضع الضابط المناسب في المكان المناسب بعيدا عن المحسوبيات والكيديات التي يحاول البعض الايحاء بها، رغم «الصبغة البرتقالية» التي يحاول البعض صبغه بها، منطلقا من مبدأ وطني ومؤسساتي، فهو يدين بالولاء للجيش وحده، المؤسسة الجامعة التي هي على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، كاشفة ان طموحه ان يعود الجيش الى سابق عهده وان ينجح في دفع الشباب اللبناني للتطوع في الجيش لكسر «الحالة الشاذة» التي سادت طوال السنوات الماضية.
تحت هذا العنوان يمكن ادراج اللفتة التي خص بها وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف العماد جان قهوجي من خلال الدعوة الى الغداء التي جمعتهما عقب الخلوة في مكتبه في مطعم «لو فينيسيان» في حرج تابت بحضور قائد سلاح الجو والمستشارة في قيادة الجيش بيتي هندي، في رسالة واضحة الى المشككين والغامزين من قناة تغيير قهوجي كاجراء انتقامي من قبل رئيس الجمهورية.
يروي احد الضباط الذي عمل العماد عون تحت امرته، انه عام 1990 استشهد النقيب بسام جرجي آمر احدى سرايا المغاوير المتمركزة في ادما، فاستلم امرتها بدلا منه الملازم جوزيف عون بوصفه الاعلى رتبة، في وضع ميداني صعب، حيث عمل بكفاءة ومهنية عسكرية عالية على استعادة بعض المواقع التي فقدها الجيش يومها رغم عدم توافر الذخيرة واعتماده على فصيلة احتياط، لينجز المهمة بنجاح، كذلك في معارك استعادة السيادة على شرق صيدا عام 1991 ضد الفلسطينيين.
مسيرة استمرت حتى وصوله الى محطته ما قبل الاخيرة، بعدما فضلت قيادة الجيش تعيين احد العقداء قائدا للفوج المجوقل خلفا للعميد جورج نادر الذي كان طرح اختياره او العميد فادي داوود للحلول مكانه، لينتهي الامر بتشكيله قائدا للواء التاسع المنتشر على الجبهة الجنوبية قبل ان ينتقل الى الجبهة الشرقية، مشاركا الى جانب القوات الخاصة في الجيش ومديرية المخابرات في تأمين الدعم والمساندة في عدد من العمليات النوعية التي نفذت.
من هنا ترى المصادر ان العماد جوزيف عون يعرف جيدا ثقل المهمة، الا ان «كتافو العراض» كما تردد شقيقته دائما «قد الحمل» لتمرير لتلك الفترة، مشيرة الى ان القائد الجديد مدرك جيدا صعوبة الاوضاع وهو ممسك بملفاته التي حددها بثلاث اساسية، الخطر الاسرائيلي وارتباطا العلاقة بحزب الله، الحرب على الارهاب، تعزيز قدرات الجيش، وهو ما ظهر جليا بين سطور امر يومه الاول.
في الملف الاول، لا تخفى على العماد عون حساسية الاوضاع على الجبهة الجنوبية وضرورة التعاون والتنسيق مع القوات الدولية «الصديقة»، بحسب وصفه، هو الذي جمعته علاقة ثقة بقيادتها اثناء تواجده على رأس قيادة اللواء التاسع في قطاع جنوب الليطاني، لفترة لا باس بها. علاقة سيكون لها تاثيرها بالتاكيد على تعزيز التواصل بين القيادتين في هذه الفترة الدقيقة، خصوصا ان التقارير التي تصل الى بيروت تتحدث عن استعدادات اسرائيلية دبلوماسية وعسكرية لشن ضربة ضد لبنان حدد موعدها على ما تؤكد احد التقارير الفرنسية التي وصل اجزاء منها الى وزير سابق. يضاف الى ذلك ان التهديدات الاسرائيلية طالت هذه المرة الجيش اللبناني، وهو ما لا قدرة للدولة اللبنانية على تحمل اي استهداف له حاليا، من هنا جاء امر اليوم تاكيدا للمواقف التي اطلقها رئيس الجمهورية خلال جلسة مجلس الوزراء الاخيرة.
ووفقا للمعلومات فانه عند تشاور وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف مع الاطراف السياسية حول الاسماء المطروحة لتولي قيادة الجيش ومن بينها اسم العميد جوزيف عون المتقدم، ابدى حزب الله ارتياحه للطرح. علما ان الجيش اللبناني وبموجب المرسوم رقم واحد الصادر قبل عشرين سنة والذي يكلف الجيش بمهام حفظ الامن في الداخل، سيقوم العماد الجديد بتنفيذه على كل الاراضي اللبنانية، كذلك ستلتزم المؤسسة بما قاله الرئيس العماد ميشال عون بشأن سلاح المقاومة والاستناد الى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية ولخطاب القسم الذي القاه الرئيس عون في مجلس النواب وكان واضحا لجهة موضوع سلاح المقاومة ومحاربة العدو الاسرائيلي.
ارتياح حارة حريك التي خبرت التعامل مع قائد الجيش الجديد يوم كان في قطاع جنوب الليطاني وكذلك بالامس في عرسال، عبر عنه منشد حزب الله علي بركات في نشيد خاص للعماد جوزيف عون، رغم تاكيد قيادة الحزب ان العميد جوزيف عون لم يراجعها ولم يزر اي من قيادتها لبحث مسألة قيادة الجيش معه، لا مباشرة ولا بطريقة غير مباشرة. مع الاشارة الى ان الاعتراضات التي سجلها البعض في مجلس الوزراء وبخاصة القوات اللبنانية كانت في الشكل وان القوات لم تضع اي فيتو على اختيار العميد عون الذي اثار بداية نقزة لديها قبل ان تعود وتؤيده.
اما الثاني فهو محاربة الارهاب، والذي نجح الجيش خلال السنوات الاخيرة بتحقيق انجازات نوعية على هذا الصعيد، وفي هذا المجال تقول مصادر عسكرية ان العماد عون خبر تلك المعركة على الارض يوم انتقل لواءه للانتشار في منطقة جرود عرسال، وهو يعرف بيئة المعركة وظروفها وحاجات وحدات الجيش على تلك الجبهة، كما انه مطلع بالتفاصيل على الخطط المعتمدة، يساعده في ذلك ان مدير مكتبه كان منسق المدفعية في قيادة الجيش طوال الفترة السابقة وهو ملم بدوره بتفاصيل الجبهة، كاشفة ان لا تغيير سيطرأ على الخطط المعتمدة خصوصا انها اثبتت نجاحها في قلب المبادرة لصالح الجيش وسمحت بشل حركة المسلحين وافقادهم القدرة على القيام باي عمل عسكري بعدما تحولت خطوط التماس الى جبهة محصنة مجهزة باسلحة نوعية وتغطية مدفعية وصاروخية امنتها المساعدات الاميركية. اشارة الى ان ملف المخيمات بدوره سيكون حاضرا على مكتب القائد وبخاصة عين الحلوة.
في العمل العسكري يدرك القائد الجديد اهمية العمل الامني والاستخباراتي وهو يثمن النقلة النوعية التي حققتها مديرية المخابرات منذ سنة وحتى اليوم، مشددا على ضرورة تعزيز تلك المسيرة مشيدا بالفريق الامني العامل، مبديا استعداده الكامل للتعاون والدعم لتحقيق المزيد من الانجازات التي ينتظرها اللبنانيون، خصوصا ان اجماعا سياسيا تحقق حول المديرية وضرورة عدم احداث اي تغيير فيها خلال الفترة المقبلة.
الملف الثالث والابرز مرتبط بمسألة تسليح الجيش والمساعدات التي يحتاجها. وعلى هذا الصعيد تأمل القيادة الجديدة في رفع وتيرة المساعدات للجيش لتحسين قدراته في مجال التصدي للمجموعات الارهابية، خصوصا انه نجح في اكثر من امتحان وحاز تنويه الملحقين العسكريين الاجانب والعرب في بيروت، خصوصا ان عملياته ساهمت في القضاء على مصادر الخطر التي تهدد ليس فقط امن واستقرار لبنان بل الدول العربية والغربية ايضا، وهو ما سمعه المسؤولون من الزوار الاجانب الى بيروت.
وفي هذا الاطار تكشف المعلومات ان «هدية» اميركية ثمينة ستقدم للجيش اذ سيشاهد اللبنانيون تحليق لطائرتي «سوبر توكانو» ستصلان الى بيروت في غضون فترة قصيرة، بعد ان تسلم لبنان 12 طائرة منها في الولايات المتحدة، ينهي 18 طيارا لبنانيا التدريبات عليها، قبل ادخالها الخدمة الفعلية في سلاح الجو اللبناني، بعدما سددت المملكة العربية السعودية ثمنها، في خطوة ستحقق نقلة نوعية وتدعم عمليات الجيش على الحدود وفي مواجهة الارهابيين.
انتهت سكرة اللبنانيين لتبدأ فكرة القائد في جمهورية تحولت التعيينات الروتينية فيها الى انجازات تستاهل احتفالات، في صورة تعبر عن الدرك الذي وصلت اليه الدولة اللبنانية وجهازها الحاكم. تعيين حمل معه الى العسكريين بشرى سارة تمثلت في اقرار سلسلة الرتب والرواتب لهم وان مع غصة وامل بان يتم انصافهم اكثر في المرة القادمة.