حظ سيئ. مرّتان. وفي المرّتين، الطريق مقطوع أمام الكوتا النسائية في لبنان المتأخر أصلاً، "عن قصد أو من دون قصد"، عن دول عربية أخرى اعتمدتها قبله من أعوام. واذا كانت لقمة الكوتا "وصلت للتّم" مرتين في الأعوام الماضية، و"راحت"، فان الآمال عالية هذه المرة، والاجواء داعمة ومطمئنة مع اعلان رسميين، أولهم الرئيس سعد الحريري، ان "الكوتا شرط من شروط القانون الجديد للانتخابات"، و"هلّق صار وقتها"، على أن "تكون بالمقاعد، وليس بالترشيح"، و"لن نقبل بأقل من 30%".
"يستند مبدأ الكوتا النسائية الى فكرة ضرورة وجود النساء، بنسبة معينة، في كل مؤسسات الدولة... تُعتبر الكوتا بمثابة "تقنية" أو آلية تؤدي الى قفزة نوعية من خلال "تمييز ايجابي"، لسد فجوة اللامساواة الجندرية بين النساء والرجال...".
لبنان يصل الى الكوتا مـتأخراً عن دول عربية عدة اعتمدتها قبله من اعوام، منها مصر، العراق، الاردن، السودان، المغرب، فلسطين، وتونس... "هذا التأخّر ليس بريئاً. الحق على الرجال. كان هناك قرار اقصائي للمرأة طوال هذه العقود"، يقول الوزير السابق زياد بارود لـ"النهار". ويستدرك: "لدينا نماذج ممتازة من النساء الرائدات. المجتمع اللبناني ليس متخلفا، بعكس التشريعات التي تحكمه".
اوّل كلام على كوتا نسائية جاء في مشروع قانون الانتخاب الذي اعدته العام 2006 "الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية"، برئاسة الوزير الراحل فؤاد بطرس (وبارود كان عضواً فيها). لكن المشروع لم يُقَرّ. "تخصيص كوتا للنساء على مستوى الترشيح، بحيث تتضمن كل لائحة، الزامياً، عدداً لا يقل عن نسبة معينة من المرشحات"، مع "اعتماد نسبة 30% على مستوى الترشيح، أي في اللوائح الانتخابية في الدوائر الخاضعة للنظام النسبي، لكون ذلك يراعي حرية الناخب أكثر من الكوتا على مستوى المقاعد".
الفكرة التي استندت اليها الهيئة هي ان "نظام الكوتا تمييز ايجابي يهدف الى تصحيح الخلل وإعادة التوازن المفقود في المجتمع"... ويفرضه "الانسجام مع اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي انضمّ إليه لبنان بموجب القانون 572 (1996/7/24)، وأيضاً مع إعلان مؤتمر بيجينغ 1995 الذي صادق عليه لبنان، والذي يوصي بضرورة رفع تمثيل المرأة إلى نسبة لا تقل عن 30% بحلول 2005".
واذا كان تصحيح الخلل في المشهد اللبناني هو الهدف، فان النسب التي تختصره فاضحة، مخجلة. "المرأة اللبنانية تمثل 54% من المنتسبين إلى مستوى التعليم العالي، لكنها لا تمثل سوى 28% من القوة العاملة". في البرلمان، "لم تتجاوز نسبة 6.4% من أصل 128 مقعداً. وفي انتخابات 1996 و2000، بلغ عدد النساء في البرلمان 3، وفي انتخابات 2005 لم يتجاوز عددهن 6" كذلك، لوحظ في الانتخابات البلدية العام 2004 ان "نسبة المرشّحات للمقاعد البلدية والاختيارية لا تتعدّى 1%...".
حيال هذا الواقع، يجد بارود ان "الكوتا تدبير لا بد منه، وإلّا فلن ننتقل الى مشهد يثبت التنوع اللبناني على المستوى الجندري". ويضيف: "لدينا فرصة اليوم. قانون الانتخاب ليس ما تريده القوى السياسية أو مجرد تقسيم دوائر، بل هو اشراك أكبر عدد ممكن من الناس في البرلمان. ولا بد من تدابير تفرض تغيير هذا المشهد. لدينا كفاءات نسائية عالية، ولا شيء يمنع المرأة من المشاركة. وهذا من شأنه تغيير، ليس المشهد النيابي فحسب، انما أيضاً السياسي".
ما يفضله هو "كوتا الترشيح التي تعطي المرأة امكان ان تكون جزءاً من المعركة عبر تحفيز اللوائح لجهة ان تتضمن مرشحات". واذ يشدد على ان هذه الكوتا "تتسم بديموقراطية كبيرة"، يشرح انها "ترتبط بالنظام النسبي. ولا يمكن اعتمادها في نظام أكثري. لكن اذا اضطررنا الى الذهاب الى نظام أكثري، فيفترض ذلك الكوتا المحجوزة".
عام 2010، أقرّت الحكومة مشروع تعديل قانون الانتخابات البلدية الذي تقدم به بارود، وزير الداخلية والبلديات آنذاك. وتضمّن كوتا نسائية اقترح بارود "ان تبلغ 30%. لكن الحكومة اعتمدت 20%". ولم يبصر النور، على غرار مشروع الهيئة الوطنية للانتخاب، لان "مجلس النواب لم يناقشه". ويرى أن "فيما قانون الانتخاب في مجلس النواب حالياً، نحتاج الى جرأة في مقاربة الموضوع، وان تعترف القوى السياسية بأن الكوتا من حقوق المرأة، وليست منّة من أحد. إنها حق لها محجوب، وبه تسترجع حقاً دستورياً في المشاركة في الحياة العامة حجب عنها عقوداً. ولا بد من رفع هذا الحجب لأو الحظر الذي وضعه الرجال. المسؤولية تقع عليهم. الرجل في موقع القرار هو الذي يمنع المرأة من ان تكون شريكته".
ويقطع الطريق على أي تشكيك: "نعم، الكوتا قابلة جداً للحياة". وما يجعل اقرارها ممكناً هذه المرة هو ان "الجو جيد وداعم. ويجب الذهاب فيه الى الآخر. لا شيء يمنع ان تدخل الكوتا قانون الانتخاب من الباب العريض".
"صدمة"
رأي آخر لمديرة البرامج في "مهارات" ليال بهنام: "الكوتا خطوة ضرورية في مرحلة انتقالية معينة لزيادة عدد النساء في البرلمان. ليست الحل السحري، لكن النظام اللبناني يتطلب صدمة معينة. ونعتبر ان الكوتا قادرة على تحقيقها، تكريسا لثقافة تمثيل المرأة في الحياة السياسية، وتحقيقاً لعدالة اجتماعية أكبر على هذا الصعيد"، على حد قولها.
ومع تشديدها على ان "الكوتا خطوة انتقالية"، يبقى المطلوب بعدها "استكمال خطوات أخرى، منها مثلاً العمل مع الاحزاب، حتى لو لم تتبنّ الكوتا في نظامها الداخلي، كي تلتزم إيصال المرأة الى هيئاتها الادارية ودعم ترشيحها. وتكون هذه الخطوة مهمة جداً اذا تحققت".