سنة 1917 شهدت سقوط قيصر روسيا الذي تنازل عن العرش بحكم الثورة عليه التي بدأت ديموقراطية ثم وقعت في يد الشيوعية بقيادة لينين وتروتسكي ثم تعسكَرت مع ستالين وتحوّلت روسيا بعد ذلك الى «كعبة» الشيوعية والى الاتحاد السوفياتي الذي سيطر في الحرب العالمية الثانية على كل أوروبا الشرقية ثم دخل في الشيوعية ربع العالم: الصين وكوريا وفيتنام ولاوس وكوبا، ثم سقط الاتحاد السوفياتي بسقوط حائط برلين سنة 1989.
في واشنطن أخرج الرئيس الأميركي «ويلسون» أميركا للمرة الأولى من عزلتها بدخوله الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا ومع فرنسا وانكلترا، ثم عادت اميركا الى عزلتها بعد الحرب الأولى لتخرج من جديد من العزلة بعد بيرل هاربر وتدخل الحرب الثانية. لكنّ أميركا بعد انفلاشها على العالم في القرن العشرين تبدو عائدة الى عزلتها سنة 2017 مع الرئيس دونالد ترامب.
في تشرين الثاني سنة 1917 أعلن وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور التزام بريطانيا ببناء وطن «للشعب اليهودي»، وهو الالتزام الذي حقّقته إنكلترا والدول الكبرى لإسرائيل في فلسطين سنة 1948 ووَلّد الصراع العربي الإسرائيلي طوال القرن العشرين وشهد ثلاثة حروب، الأولى سنة 1948، والثانية بهزيمة 1967، والثالثة بالعبور سنة 1973 وعُلّق الصراع بتوقيع مصر اتفاقية كمب دافيد ثم اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية التي شملت فلسطين والأردن.
وفي 20 تشرين الثاني 1917 عَيَّن «بوانكاري» رئيس الجمهورية الفرنسية الذي لم يكن يملك من السلطات سوى تعيين رئيس للوزراء، جورج كليمنصو رئيساً للوزراء الذي سمّي في فرنسا «النمر» والذي قاد فرنسا كالنمر الى النصر في الحرب العالمية الأولى، لأنّ فرنسا كانت بحاجة الى من يحكمها، وحكمها كليمنصو من الخنادق الأمامية في الجبهة حيث انتقل ليحكم من الخطوط الامامية للجهة الحربية، فأسرع الضباط يردعونه عن تعريض سلامته وحياته للخطر فأجابهم: «ماذا يمكن أن يحصل لي افضل من ان أموت هنا!».
وفي نيسان 1917 عاد المحامي غاندي من جنوب افريقيا لينتقل الى شمال الهند ويطلق ثورة اللاعنف بالعصيان المدني على الحكم الانكليزي احتجاجاً على المجاعة التي كانت تفتك بالفلاحين في شمال الهند.
وفي آذار 1917 دخل البريطانيون بغداد واتفق الإنكليز مع الهاشميين على التمرد على السلطنة العثمانية، ودخل الجنرال الإنكليزي «اللنبي» الى القدس، وقدّم للملك الإنكليزي وحلفاء إنكلترا هذا الدخول الى القدس هدية عيد الميلاد سنة 1917.
هيّأت سنة 1917 لسقوط الأمبراطورية «النمساوية الهنغارية» التي سقطت سنة 1918، وبسقوطها انتصرت السيادات القومية الوطنية على الأمبراطوريات والعائلات الملكية الحاكمة، وأدى سقوط الأمبراطورية الى ولادة دول جديدة في أوروبا، أهمها: تشيكوسلوفاكيا، سلوفينيا، صربيا، بولونيا، نمسا الألمانية، هنغاريا، والمملكة الإيطالية.
ومهّدت سنة 1917 لسقوط الأمبراطورية العثمانية، التي ولّد سقوطها دولاً عربية جديدة، هي: سوريا، لبنان، فلسطين، العراق، المملكة العربية السعودية.
وشهدت 1916 اتفاق سايكس بيكو البريطاني الفرنسي الذي تقاسَم الدول العربية ورسم لكل دولة عربية حدوداً جديدة غير تلك التي استمرت عدة قرون مع الأمبراطورية العثمانية.
في القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الثانية أُعلن ميثاق الأمم المتحدة من اجل السلام، ولعبت الأمم المتحدة دوراً عظيماً في إرساء السلام، ولكنّ الأمم المتحدة صار وجودها مهدداً بتهديد اميركا الانسحاب منها بعد انتخاب ترامب!
شهد القرن العشرين تصفية الاستعمار الأوروبي من محطة السويس الى المحطات الافريقية الى الجزائر الى... الى... ولكنّ أوروبا بقيت قوة، وسارت الى الاتحاد في بروكسل وأخذت تمد الجسور بين دولها وتهدم الجدران. وشهد القرن العشرين إنقاذ اتاتورك لتركيا وتحويلها الى دولة علمانية وكلّف مصطفى كمال الجيش بحراسة العلمنة، ولكنّ الجيش خسر الحرب مع اردوغان الذي أعلن دولة دينية موسولينية دكتاتورية!
وشهد القرن العشرين سقوط شاه ايران، ولكنّ حكم الملالي جاء بمخطط ديني «لتشييع» المسلمين في البلاد العربية والعالم!
وكان القرن العشرين هو قرن استقلال الدول العربية وحلّ مكان الاستقلاليين الحكّام المستبدّون، وترك الإسلام على حاله مدة 1400 سنة من دون أيّ حركة إصلاحية كالتي بدأها محمد عبده والافغاني وغيرهم، وصار الإسلام وهابية واخوان مسلمين ثم «قاعدة» ثم «النصرة». فولّد الاستبداد والفقر والذل والتخلف الديني، ولّد ذلك دولة «داعش».
ودخل الإسلام كل بيت في الغرب، ليس بتسامحه وسلامه ومودته بل مكشّراً عن أنياب مستعارة جاعلاً من الإرهاب والعنف صورة الإسلام! التي تلحق الأذى الدموي بالغرب في عقر داره... فكشّر التطرف الديني المسيحي الأوروبي عن أنيابه أيضاً!
القرن العشرين الذي بدأ سنة 1917 إنتهى في حلب حيث ظهرت من خلال سقوطها معادلات جديدة وغريبة ستفتك بالعالم في القرن الحادي والعشرين. أشرق القرن العشرين في 1917 عن آمال وثغرات وأحلام ونكسات، لكنّ نهايته في 2017 تنبئ بكلّ ما هو مخيف للقرن الواحد والعشرين.