تعتمد أغلبية المدارس والمعلمين على إعطاء الواجبات المدرسية في المراحل الدراسية الأولى، ظناً منهم أنّ في ذلك ضماناً لنجاح التلاميذ وزيادةً في تحصيلهم الدراسي.
 

فنرى إهتمام الأساتذة واضحاً فيما يخص هذه الواجبات حيث أنهم يوظفون الكثير من وقتهم لتحضيرها وتصحيحها، وكذلك الأهل أيضاً ففي معظم الأوقات يُعربون عن قلقهم حيالها، فنسمع البعض يشكو من كثرتها وصعوبتها والبعض الآخر يخاف أن لا يكون مضمونها كافٍ لقلتها وسهولتها. وغالباً ما يتم الربط التلقائي، من قِبل الأهل، بين نجاح الطالب وعدد الواجبات الدراسية المعطاة . 

أمّا بالنسبة للتلاميذ، ففي الكثير من الأحيان يشعرون بالإحباط حيال العمل والواجب المدرسي الذي ينتظرهم عند عودتهم الى المنزل. من هنا تبدأ التساؤلات، هل فعلاً تستحق الواجبات المدرسية كل هذا الجهد من قبل الأساتذة والتلاميذ والاهل خاصةً في المراحل الدراسية الأولى؟ و هل تؤثر هذه الواجبات بشكل إيجابي على التحصيل العلمي لدى التلاميذ في هذه المرحلة؟ 

تُطرح عدّة آراء حول هذا الموضوع، وتختلف وجهات النظر والأدلة والبراهين، فبعض الدراسات تبين وجود علاقة إيجابية بين الواجبات المدرسية (بحسب كميتها والوقت المستهلك لتنفيذها) والتحصيل العلمي. بينما تُؤكد دراسات أخرى أن هذه الواجبات والفروض المنزلية تدفع التلاميذ الى عدم الإهتمام بالمحتوى الأكاديمي لأنها في معظم الأحيان تحول بينه وبين قيامه بنشاطات أخرى يراها مهمة بالنسبة له.  

في هذا الصدد، أجرى الباحث في علم النفس الإجتماعي في جامعة ديوك (Duke University)، "هاريس كوبر" (Harris Coopr) عام 2015 العديد من الدراسات والأبحاث، ليثبت أنّ العلاقة بين الواجبات المدرسية والتحصيل الدراسي يختلف بحسب عمر التلميذ وبحسب المرحلة الدراسية. حيث أكد أن الواجبات المدرسية لا تؤثر على التحصيل الدراسي لدى التلاميذ في المراحل التعليمية الأولى (المرحلة الإبتدائية) ولكن أهميتها تزداد مع إقتراب التلميذ من المرحلة الثانوية. وأكدّ ايضاً في الدراسة نفسها أن تأثيرها الايجابي على أداء الطلبة يشترط بإقترانها بمساعدة الغير حين الإنجاز. ومن هنا فإن أثرها الحقيقي في الدعم والتقوية لا يظهر إلاّ في سن الخامسة عشر وهو بداية المرحلة الثانوية حيث يبدأ التلميذ بإنجاز فروضه وحده.

في المرحلة الإبتدائية يكون الطفل في طور النمو، فقدراته التحليلية غير مكتملة، ولا يملك القدرة على التركيز والإنتباه لمدة طويلة عدا عن أن المهام التي يراها صعبة تُؤدي الى تثبيط عزيمته في إنجاز واجباته لذلك فإنه بحاجة الى مساعدة ومراقبة الأهل والمعلمين في انجاز فروضه المدرسية. بالتالي فإن لهؤلاء تأثيراً مباشراً على علاقة الطالب بواجباته وكيفية تعامله معها من جهة وعلى العلاقة بين هذه الواجبات والمعدل الدراسي من جهة اخرى .

الأهل : 

تمنح الواجبات المدرسية فرصة للأهل لبناء علاقات جديدة مع الطفل وتعطيهم المجال للإطلاع على التفاصيل اليومية المدرسية التي واجهها.ولكن حتى يتمكن الأهل من متابعة أبناءهم ومساعدتهم بفعالية على إنهاء واجباتهم المدرسية عليهم أنّ يمتلكوا المهارات و القدرات اللازمة لذلك. فبحسب دراسة أخرى كان قد أجراها "كووبر" (cooper) عام 2006، فإن الأهل الذين لا يمتلكون الكفاءة وبالأخص الأهل الذين لا يجيدون القراءة والكتابة هم غير قادرين على متابعة دراسة أبنائهم في المنزل وبالتالي فإنّ أطفالهم معرضون أن يكون تقدمهم الدراسي بطيئ وأيضاً معرضون للرسوب في بعض الأحيان . 

من ناحية أخرى، يؤثر المستوى التعليمي عند الأهل على طريقتهم في مراقبة ومساعدة أولادهم في حلّ واجباتهم. ففي دراسة سابقة أجراها "كووبر" (Cooper) عام 2000 أثبت من خلالها أنّ التلاميذ الذين قد حصل أولياء امورهم على مستوى تعليمي جيد لديهم أداء دراسي أفضل من غيرهم إضافةً الى تطّور العديد من المهارات المهمة لديهم مثل إدارة الوقت والإستقلالية. 

بشكل عام، عند العديد من العائلات التي تتصف بمستوى دراسي منخفض، فإنّ الواجبات تُشكل مصدراً للتوتر أولاً بالنسبة للأهل كونهم غير قادرين على مساعدة أطفالهم في دراستهم وثانياً بالنسبة للطفل وذلك لعدم وجود شخص قادر على مساعدته والإجابة على اسئلته في المنزل وبالتالي يُؤثر هذا على رغبته في إتمام واجباته. تجدر الإشارة الى أنّ موقف الأهل الإيجابي من الواجبات المدرسية الذي يتصف بالمتعة والحماس والإعتقاد في جدواها مرتبط بشكل مباشر وإيجابي بموقف الطفل منها. وموقفه هذا مرتبط أيضاً بشكل مباشر وإيجابي بكمية الواجبات التي يقوم بإنهاءها وحلها وذلك بحسب دراسة أجرتها رولند ديلند-Rollande Deslandes (أستاذة في العلوم التربوية في جامعة كيبيك) وزملاؤها عام 2008 على عينة تتألف من 465 فرد من أولياء الأمور الذين لديهم أطفال في المرحلة الإبتدائية.

لكن المتابعة الأسرية وتوفر آباء لديهم مستوى دراسي يسمح لهم بمساعدة أطفالهم شرطان لا يتوفران بالضرورة عند الجميع وذلك يُؤدي الى عدم المساواة بين الطلبة فيما يخص شروط التحصيل الدراسي . 

المعلمين : 

تختلف طبيعة وكمية الواجبات المدرسية المعطاة للتلاميذ ليس فقط من مؤسسة تعليمية الى اخرى أو من مدرسة الى اخرى بل أيضاً من معلم الى آخر. فبعض الاساتذة يعطون، في المرحلة الإبتدائية، الكثير من الفروض والواجبات التي تحتاج الى الكثير من الوقت والجهد من التلميذ ظناً منهم أن ذلك أساسيّ في عملية التعليم ومهم جداً لنجاحه. على عكس ذلك فقد أفاد "هارييس كووبر" أن زيادة الواجبات المدرسية ممكن أن تؤثر سلباً على مواقف الاطفال من المدرسة والدراسة وبالتالي على نجاحهم في المراحل الدراسية القادمة.  

من جانب آخر أفاد جيرالد لوتوندر (Gerralad Letendre) من جامعة ولاية بنسلفانيا، أن الوجبات المدرسية لا يجب أن تُستخدم من بعض الاساتذة كإستراتيجية لإستدراك ما لم يتم التطرق له في الفصل الدراسي نظراً لضيق الوقت إنما أن يجب تكون وسيلة لفهم وتطبيق ما تم شرحه في الصف. وتجدر الإشارة الى أنّ القيمة التي يعطيها التلميذ لواجباته المدرسية تختلف بحسب إختلاف نوعها، فإنه لا يُعطي أي أهمية تُذكر للواجبات و الفروض المملة، المكررة، الغير مفهومة التي تفتقر الى المزيد من الشرح والفروض التي لا يكلف المعلم نفسه بتصحيحها وذلك بحسب دراسة قام بها عدّة علماء في جامعة مونكوتون (Université de Moncton).

 

في الواقع، إن التلميذ الذي يقضي أغلب وقته بعد المدرسة في إنهاء واجباته، سينقصه حتماً الوقت ليقوم بنشاطات اخرى مهمة وأساسية في تنميته الشخصية وتنشئته الإجتماعية مثل اللعب والتواصل الأُسري، مثلاً: اللعب في الخارج مع أولاد الجيران، المشاركة في النشاطات و الحوارات العائلية كمساعدة امه في تحضير الطعام أو الحديث مع والده عمّا حصل معه في المدرسة . لذلك فإنّ Cooper لا ينصح بأكثر من 10 -15 دقيقة للواجبات بعد المدرسة بهدف فسح المجال امام الطفل لإستثمار وقته بنشاطات اخرى مفيدة لتنمية سليمة على الصعيدين الشخصي والدراسي .  

إنّ أفضل مثال على هذا هي فنلندا، الدولة التي تحتل المرتبة الاولى في التصنيف الدولي التعليمي، ففي مدارسها لا يعطي الآساتذة الفروض والواجبات للطلاب في المراحل التعليمية الأولى حتى يتوفر لهم الوقت ليعيشوا طفولتهم ويستمتعوا بالحياة كما أفادت "كريستا كيورو" وزيرة التعليم السابقة في فنلندا. 

:المصادر
 Researchgate :١- موقع
https://www.researchgate.net/publication/12321356_Homework_in_the_Home_How_Student_Family_and_Parenting-Style_Differences_Relate_to_the_Homework_Process
https://www.researchgate.net/publication/249797937_Does_Homework_Improve_Academic_Achievement_A_Synthesis_of_Research_1987-2003                 
 SELD :٢- موقع
https://www.sedl.org/pubs/sedl-letter/v20n02/homework.html
 érudit :٣- موقع
https://www.erudit.org/revue/rum/2011/v42/n1-2/1021307ar.html?vue=resume
 freepatentsonline :٤- موقع
https://www.freepatentsonline.com/article/Canadian-Journal-Education/196051668.html
Homework in the Home: How Student, Family, and Parenting-Style Differences Relate to the Homework Process
Parents (n = 709) were surveyed about involvement in their child's homework. A factor analysis revealed three dimensions of homework involvement similar to those found in more general studies of...
researchgate.net
https://www.researchgate.net/publication/12321356_Homework_in_the_Home_How_Student_Family_and_Parenting-Style_Differences_Relate_to_the_Homework_Process