قبل أيام، زار وفد من اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية بيروت، حيث عقد لقاءات مع عدد من الشخصيات السياسية. هذا اللوبي كان ناشطاً في أعقاب ثورة الأرز، ويرجع إلى جهوده إقرار القرار 1559. لكن في السنوات الماضية، تفرمل نشاطه لفترة لا بأس بها. ومع انتخاب دونالد ترامب استأنف نشاطه وتحضيراته. وتشير مصادر مطّلعة على بعض اللقاءات التي عقدها الوفد في لبنان، والتي كان أبرزها في بكركي مع البطريرك بشارة الراعي، إلى أن عملية إحياء النفس السياسي القديم تجري حالياً، إنطلاقاً من أن حقبة باراك أوباما انتهت، ومعها تنتهي مفاعيل الانفتاح على طهران والتعاون معها وتثبيت نفوذها إقليمياً.
وتنقل المصادر عن الوفد، أن التوجه الجديد للإدارة الأميركية هو مواجهة إيران لتحجيم نفوذها، على اعتبار أنها إحدى أبرز الدول الراعية للإرهاب في المنطقة، وقد عملت على زعزعة استقرار عدد من الدول العربية. وتلفت المصادر إلى أن التوجه الأميركي الجديد، سيكون مستنداً إلى تفاهم مع الأتراك والروس، ودول الخليج العربي التي ستموّل أي عمل عسكري أو سياسي لمواجهة طهران وتمدد نفوذها.
وتشير المصادر إلى أن الموقف الأميركي يلتقي مع لوبيات عدة تعمل داخل الولايات المتحدة، للضغط على إيران والجماعات المتطرفة. وهذا التوجه الجديد يعني أن إيران ستكون مجدداً أمام حرب إقتصادية كبيرة جداً، بالإضافة إلى العقوبات التي ستطال حلفائها في المنطقة.
ثمة من يعتبر أن الزيارات الأميركية المتكررة إلى لبنان تصب في إطار الطلب من الدولة اللبنانية، وفي مقدمها الرئيس ميشال عون، الالتزام بالقرارات الدولية. وهذا ما يشدد عليه المجتمع الدولي وتمثّل أخيراً بردّ الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيكريد كاغ على كلام عون في شأن سلاح حزب الله. ما يؤشر إلى أن لبنان سيتعرض لمزيد من الضغوط الدولية.
وترى المصادر أن المطلب الدولي الأساسي هو إنشاء مناطق آمنة على الحدود اللبنانية، استكمالاً لتطبيق القرار 1701. وهذا ما يرفضه عون وحزب الله، لأنه يعني الحد من حرية حركة حزب الله في المنطقة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا. وتلفت المصادر إلى أن المناطق الآمنة مع سوريا من جهة الحدود التركية أو الأردنية أصبحت شبه جاهزة وتنتظر التطبيق، إذ لا يمكن تثبيت وقف إطلاق النار من دون مناطق آمنة، ولو اضطر الأمر إلى دخول قوات عربية هذه المناطق.
ماذا يمكن لعون أن يفعل؟ تشير التقديرات إلى أن هناك خيارين. إما اتخاذ موقف الحياد الإيجابي، وهذا يعني عدم مجابهة الاجراءات والتوجهات الجديدة. ما يعني أيضاً مزيداً من الضغط على حزب الله وبيئته مالياً وغير ذلك. أما الخيار الثاني فهو أن يدخل في المواجهة ضد التوجه الدولي الجديد. ما يعني أن لبنان مقبل على كارثة أمنية وإقتصادية.
لكن هناك قراءة مغايرة لمبدأ المناطق الآمنة، إذ تعتبر أن هذه المناطق تريح حزب الله، لأنه استبقها بالدخول في مفاوضات مع الفصائل المسلحة في القلمون من أجل إنشاء تلك المنطقة الآمنة، على قاعدة تفاوضية تنطلق من إنسحابها من البقعة الجغرافية المتبقية تحت سيطرتها في جرود عرسال مقابل عودة اللاجئين إلى عدد من القرى القلمونية. وبذلك، يكون الحزب استطاع تأمين حدوده وعمقه الإستراتيجي في الإتجاهين، اللبناني والسوري. وينطلق أصحاب وجهة النظر هذه، من أن أي منطقة آمنة على حدود أي دولة ستكون من مسؤوليتها. بالتالي، ستكون الكلمة الفصل من الجهة اللبنانية لمصلحة حزب الله.
لكن مصادر أخرى تعارض هذا الموقف، تعتبر أن هذه المنطقة الآمنة ستكون مقدمة لتطبيق كل القرارات الدولية، بما فيها 1701 و1559، التي يعارضها حزب الله بشدة. وهذه القرارات قد تترافق مع تجديد المطالبة الدولية والإقليمية بتسليم سلاح الحزب. وحينها، لن تقف الأمور عند هذا الحد، وستكون ملحقة بتصعيد تلو التصعيد.