لم أستطع أن أمنع نفسي من المشاركة في التظاهرة التي أقامها الحزب الشيوعي في النبطية، حضرت إلى منطقة تمثال العالم حسن كامل الصباح كما هو مقرر بعيد الوقت المحدد بقليل، ومن مسافة تستطيع أن تلحظ الاعلام الحمراء تخيم على المكان، مما يسبب لك على الفور نوع من الارتياح البصري، فاللون الأحمر هنا يسر الناظرين، لأن عيوننا تعودت على اللونين الأخضر والأصفر ، حتى بتنا في الجنوب نفتقد لأي لون آخر ،
رفيقات ورفاق، ترى في وجوههم علامات النضال محفورة عميقا، وعلى محياهم بسمات متبادلة كلما التقت العيون لتلحقها قبل الترحيب، حتى أنك تشعر سريعا بحنين اللقاء وعتاب الغياب المرفق بالقبلات التي تخبرك عن طول فراق وعن مساحات من الفراغ طال أمدها وتوسعت مساحاتها، فتتحول المشهدية سريعا إلى ما يشبه اللقاء العائلي أو قل حفلة لطلاب قدامى المتخرجين من إحدى الجامعات.
يلفتك من بين عتاعيت الرفاق أن تلمح فرخ رفيق متأبط بعلم الحزب خلفهم أو رفيقة شابة تلف على رقبتها الكوفية الفلسطينية تقف مزهوة بصمت إلى جانبهم، إلا أن من الواضح أن الحميمية النضالية الموجودة عند الآباء ه لم تنتقل إلى الجيل الشاب الجديد الذي لا يعرف بعضه، ولا تربطهم إلا علاقة الآباء والشيوعية الموروثة عنهم والتي لم تخلق بينهم أي حوار أو حديث مشترك .
بالرغم من جمالية المشهد وفرادته، وعظمته كونه أولا وأخيرا في قلب النبطية، إلا أن هذا لا يعني أن ثغرات قاتلة كنت أتمنى أن لا أتلمسها، واحدة من أهم هذه الثغراته ( بحسب رأيي طبعا )، هو هذه العفوية التنظيمية، التي تصل إلى حد سوء التنظيم، بالخصوص لحظة انطلاق "المسيرة " مع رادود لا يجيد إطلاق الشعارات الحزبية، مما حدا به إلى التنحي سريعا والسكوت لتتحول المسيرة إلى ما يشبه المسيرة الصامتة.
وصلنا سريعا إلى نقطة النهاية أمام السراي القديمة بسب قصر المسافة بين النقطتين، وهنا كانت الكارثة الكبرى ليبدو جليا أن معظم المشاركين لم يرغبوا بسماع كلمة الحزب ولا الموقف السياسي له، وكأن التظاهرة أو التجمع هو المطلب لا الموقف السياسي، فلم يفلح الخطيب ( سكرتير منطقة النبطية ) حاتم غبريس لا إلى لفت أنظارنا لأننا لم نره أصلا بسبب غياب منصة أو منبر ولا بلفت أسماعنا بكلمته الركيكة وصوته الخافت، لدرجة أن ضجيج الميكروفونات لم تمنع معظم الموجودين من الاسترسال بأحاديثهم الجانبية، مما حدا بأحد الرفاق القدامى( بشار حسين ) أن يسأل على صفحته الفيسبوكية : " هل يمكن القول أن مظاهرة اليوم تشير إلى عدم وجود كيميا ما بين الخطاب الحزبي و بين الجمهور ؟!" !!!
وإن كنت لا أضع نفسي في مطرح إسداء النصائح للحزب الشيوعي العريق، إلا أن من الواضح بمكان أن الامين العام الجديد للحزب حنا غريب الذي انتقل منذ وقت قريب من ساحات العمل النقابي، لا يزال مسكونا بتاريخه، ولم يخرج بعد من كونه مناضلا نقابيا ليمارس وظيفة الامين العام الحزبي والتنظيمي، يبقى أن الخطر المحدق بالحزب هو أن يتحول من تنظيم حزبي إلى مجرد نقابة ليس أكثر ، وهذا ما لا نتمناه في ظل غياب الأحزاب الحقيقية على الساحة الجنوبية .