نشرت صحيفة "الموندو" الإسبانية تقريراً، تحدثت فيه عن تحول تنظيم داعش إلى "مُصنع للانتحاريين"، عبر تطويره لاستراتيجية شن الهجمات بإتقان ومثالية، فضلا عن تكوينه لانتحاريين على مستوى صناعي.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن "ما أنشأه تنظيم داعش عبارة عن صناعة انتحارية مثالية. وفي الأثناء، أرسل تنظيم داعش، خلال سنة 2016، حوالي ألف عنصر من مقاتليه؛ الذين تلقوا تعليما وتكوينا وإعدادا لعدة أشهر، حتى يشنوا عمليات انتحارية، في أماكن متفرقة، وقد سمحت هذه الإستراتجية بتفوق التنظيم على موروث تنظيم "القاعدة" من حيث العمليات الانتحارية".
وذكرت الصحيفة أن دراسة حديثة نشرت في الفترة الأخيرة، قد سلطت الضوء على إحدى الاستراتيجيات التي يسعى من خلالها تنظيم "داعش" إلى نسف خطوط العدو الأمامية يوميا في ساحات القتال المستعرة في الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية. فخلال الفترة التي أجريت فيها الدراسة، والتي امتدت بين كانون الأول 2015 وتشرين الثاني 2016، نفذ التنظيم المتطرف حوالي 923 عملية انتحارية، داخل حدود "الخلافة" المعلن عنها في سوريا والعراق، وفي معاقله في مصر وليبيا وأفغانستان ونيجيريا.
وأوردت الصحيفة أن الخبير في النشاطات الجهادية، تشارلي وينتر، ومؤلف تقرير "حرب الانتحار"، الذي نشره المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، أكد أنه "من وجهة نظر تكتيكية، يمكن اعتبار الهجمات الانتحارية التي ينفذها تنظيم الدولة أكثر تماشيا وأقرب إلى الهجمات التي شنها الطيارون "الكاميكاز" اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن تشبيهها بالهجمات الانتحارية التي شنها عناصر تنظيم "القاعدة" خلال العقد الماضي".
وأضاف وينتر أن "تنظيم داعش تمكن من عسكرة "الانتحار" بطريقة أكثر فاعلية واستدامة، أكثر من أي جهة أخرى إلى حد هذا التاريخ".
وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الياباني تبنى استراتيجية الهجمات الانتحارية بعد أن عانى من هزائم مؤلمة على ساحة الحرب. ومن جهته، يشهد تنظيم "داعش" في الوقت الحالي، حالة الضعف نفسها، في الوقت الذي أخذ فيه يتقهقر ويتراجع تدريجيا، نظرا لاستهداف أهم معاقل "خلافته" في سوريا والعراق.
وتعليقا على ذلك، أوضح الخبير تشارلي وينتر أن "تنظيم داعش بدأ يلجأ إلى "الانتحار الدفاعي" كوسيلة للتخفيف من حدة الخسائر التي شهدها، على مستوى الأراضي التي كان يسيطر عليها، وأيضا، لمقاومة الضغط العسكري المسلط عليه".
وبينت الصحيفة أن حجم العمليات الانتحارية، الذي يعتبر استثنائيا وغير عادي إلى حد الأن، وطريقة العمل المدروسة للغاية، تؤكد "توفر بنية تحتية مكرسة ومخصصة لتصنيع "الشهداء" أو "الانتحاريين" المستقبليين"، الذين يبدو أن فعاليتهم وكفاءتهم في تنام متواصل.
وتطرقت الصحيفة إلى ما ورد في تقرير "حرب الانتحار"، حيث أورد أن "حوالي 84% من الهجمات الانتحارية استهدفت عناصر القوات المنافسة، على عكس استراتيجيات تنظيم القاعدة التي تستهدف المدنيين بدرجة أولى. وبالإضافة إلى ذلك، خلافاً للتنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن، فإن قرابة 74% من الانتحاريين ليسوا من الأجانب، بل هم من سوريا والعراق".
وأكدت الصحيفة أن ما يناهز 70% من الهجمات الانتحارية قد نفذت بواسطة شاحنات مختلفة، التي تجهز لضم أكبر عدد ممكن من الأجسام المعدنية والمسامير، من أجل خدمة الهدف النهائي المتمثل في مضاعفة حجم الانفجار وعدد القتلى على حد السواء.
وبحسب وينتر، فإن "الهجمات الانتحارية تعد من أحد ركائز تنظيم داعش أمام الخسائر الضخمة في صفوف مقاتليه. كما أن شدة وحشية هذه العمليات كافية لتدمير الروح المعنوية لأعدائه".
وأضافت الصحيفة أن التقرير ذاته أشار إلى أن "وراء كل "قنبلة بشرية، هناك هدف تكتيكي أو استراتيجي". وكدليل على ذلك، ارتفع عدد قتلى تنظيم داعش منذ منتصف تشرين الأول، تاريخ انطلاق حملة القوات العراقية من أجل استعادة الموصل. وحسب المعلومات التي تم حوصلتها، استنادا إلى وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم "داعش"، فإنه ومنذ هذا التاريخ، سُجل حوالي 300 هجوم انتحاري في الموصل.
وأفادت الصحيفة أن ارتفاع عدد الهجمات هو دليل على وجود جهاز وشبكة من المراكز المخصصة لتكوين شحنات جديدة من الانتحاريين الذين يعتقدون أن أعمالهم "هي الطريق الأسهل والأسرع للوصول إلى الجنة".
وفي الختام، نقلت الصحيفة على لسان وينتر أن "استراتيجيات تنظيم الدولة في العراق وسوريا تعتمد وبشكل متقن على "فن التفجير"، ليس فقط من خلال تطوير متفجرات فتاكة لم يسبق لها مثيل في الماضي، ولكن أيضا من خلال خلقها لموجة من المقاتلين الذين تعرضوا لغسيل دماغ مسبق، والذين أصبحوا على استعداد ليتحولوا إلى انتحاريين".