بعد 4 أشهر ونصف على وقوع جريمة عشقوت التي ذهب ضحيّتها أربعة أشخاص، أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله قراره الظنّي في القضيّة، طالباً عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة للمتهم طاني عبود، بعدما إتّهمه بإرتكاب جناية القتل القصدي بحق المغدورين جان بول حب الله (1981)، ووالدته إيزابيل الشدياق (1951) ووالده جان يوسف حب الله (1947) وانطوان الشدياق (1951)، معتبرا ان القتل الحاصل كان وليد ساعته ونتيجة شجار وتضارب وتبادل كلام قاس بين الطرفين.

وأوردت وقائع القرار الظنّي أنّ المؤهل أول في الأمن العام اللبناني طاني عبود هو شاب طويل القامة، شديد البنية، متزوج من السيّدة "ر.أ" ولهما ثلاثة أطفال، ويسكن في حي الشميس ببلدة عشقوت، ويجاوره في السكن بنفس البناء كلّ من المغدورين جان حب الله وجان بول حب الله وإيزابيل حب الله. وقد درج "جان بول" على تربية الكلاب في البناء والإعتناء بها بشكل يوميّ، الامر الذي كان يثير حفيظة "طاني" نتيجة نباحهم وخوف اطفاله منها، اضافة الى امتعاضه من سلوك المغدور المذكور لجهة قيامه بمضايقة زوجته إلى حدّ التحرّش بها. وكان المدعى عليه يعتقد بأنّ آل حب الله يكنّون العداء له، وهو كان يتهمهم برمي النفايات على سيارته وامام باب منزله، ووصل به الامر الى اتهامهم بدخول منزله ورش مواد سامة وهو كان يقوم برفع تقارير دورية عن تلك الاحداث والى تقديم شكوى جزائية بهذا الصدد.

بتاريخ 13 تشرين الأوّل 2016، وفي هذا الجو المحفوف بالعداء والكراهية وقعت الجريمة المجزرة على الشكل التالي:

تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر، وصل طاني عبّود بلباسه العسكري وبحوزته مسدّسه الأميري على متن سيّارته طراز شيروكي سوداء اللون برفقة والده، إلى البناء حيث مكان سكنه وتوقّف في المرآب. فيما صودف أيضا وصول زوجته وأولاده من المدرسة. في تلك الأثناء وصل المرحوم جان بول حب الله على متن سيّارته الـ"ميني كوبر"، فترجّل منها ونظر إلى "طاني" نظرة لم تعجبه ( لا سيما أنّ زوجته كانت حاضرة ولجهة الشك الذي يدور في رأسه)، فحصل تلاسن بين الطرفين واشتدّت وتيرته، حيث قام المؤهل أول بصفع "جان بول" على وجهه فوقعت نظّارته أرضاً، ليبدأ عندها العراك الفعلي.

حاول "جان بول" القفز والإمساك بـ "طاني" لكنّه لم يتمكن بسبب طول قامته، عندها تقدّم والد جان بول لمساعدة إبنه، فراح يضرب المدعى عليه بعصا خشبيّة كان يتعكّز عليها، كما تقدّمت الوالدة "إيزابيل" واخذت بدورها تحاول تفريق المؤهل أوّل عن ولدها وتستغيث، ما أدى إلى تمزيق بذّته العسكرية جراء التدافع.

في تلك الأثناء حضر الجار أنطوان الشدياق، محاولاً فضّ العراك، وكان "طاني" ممسكاً بـ"جان بول" تحت ذراعه الأيمن بوضعية منحنية نحو الأسفل، وكان الأخير يضع يده في فمه غارزاً أظافره في شفّته السفلى، وهنا أتت الشاهدة "ر.م" وحاولت نزع المسدس من وسط المؤهّل أول تحسّباً لقوع جريمة ، وما إن لمست بيت المسدس الجلدي من الخارج، حتى قام هو بسحبه وأخذ يطلق النار بشكل هيستيري بهدف تصفية جميع من كان بوجهه مرتكباً مجزرة بكلّ ما للكلمة من معنى، فأردى المغدورين الأربعة وبعد إنتهائه من تصفية البشر توجّه نحو الكلاب وأطلق النّار عليها مسدلاً الستار على الفصل الأخير من الجريمة.

المؤهّل أول الذي سلّم نفسه إلى القوى الأمنية، نفى أمام قاضي التحقيق وجود أي نيّة لديه بالقتل، مؤكّداً أنّه فقد أعصابه بشكل كامل وهستيري بسبب تعرّضه للضرب المبرح، فشهر مسدسه وقام بتلقيمه مرارا وإطلاق النار على من كان يقوم بضربه معتبراً أنّه كان في حالة الدفاع عن النفس.

زوجة الرتيب أفادت أمام القاضي عبدالله، أنّ حالة العداء والكراهية كانت مستفحلة بين زوجها والمرحوم جان بول حبّ الله، وأنّ الأخير ما برح يعاكسها محاولاً التحرّش بها في مدخل البناء كما حاول التقرّب منها مراراً، الأمر الذي أثار شكوك الزوج حول تصرفات "جان بول"، ما أدى إلى نشوء خلاف بينهما فترك المدعى عليه المنزل الزوجي أربعة أيام، فيما انتقلت هي بدورها للإقامة في أحد الأديرة في الأشرفيّة، مشيرة إلى أنّ زوجها تعرّض لشتى أنواع المضايقات من آل حب الله.

واعتبر القاضي عبدالله في حيثيات قراره الظنّي، أنّه من الثابت أنّ المدعى عليه طاني عبّود، أقدم قصداً على قتل المغدورين الأربعة، إلّا أنّه يقتضي البحث ما إذا كانت نيّة العمد متوافرة لديه في حينه. وحيث من المسلّم فقهاً واجتهاداً أنّ سبق الإصرار- أي العمد- يتطلب توافر عنصرين: الأول نفسي والثاني زمني. ويتمثّل العنصر النفسي في التصميم على إرتكاب الجريمة بعد رويّة وتفكير هادئ فيطمئن الجاني على تنفيذ ما عقد العزم عليه. أما العنصرالزمني فيقصد به فترة من الزمن بين العزم على تنفيذ الجريمة وبيت الإقدام عليها ويتاح فيها التروّي والتفكير الهادئ في ارتكابها وهي تطول وتقصر تبعاً لظروف القضيّة .وحيث أنّ عنصر العمد لا يمكن افتراضه بل يقتضي إقامة الدليل عليه.

ولأنّه لم يثبت من مجمل معطيات الملف، على الرغم من وجود خلافات سابقة، أنّ قتل المغدورين، كان مُبيّتاً ومتعمّداً أو بنتيجة تربّص وترصد مسبق من قبل المدعى عليه، بل ثبت أنّه كان وليد ساعته وبنتيجة شجار وتبادل كلام قارص بين الطرفين، وبالتالي يقتضي إستبعاد عنصر العمد في القضيّة الحاضرة.

وخلص القرار إلى طلب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة سنداً للمادة 548 عقوبات (إرتكاب القتل على شخصين أو أكثر) وأحاله للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان.