نشرت مجلة "بوليتكو" مقالا لطالب الدراسات العليا في جامعة أونتاريو في كندا الكاتب أمرناث أمراسينغام، يقول فيه إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منح عناصر تنظيم "داعش" نصرا دعائيا كبيرا.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي جاء تحت عنوان "كيف ينظر مقاتلو تنظيم الدولة إلى ترامب؟"، إنه "بعد تسعة أيام من 11/ 9، أعلن جورج دبليو بوش في جلسة مشتركة للكونغرس أن لدى كل أمة قرارا يجب أن تتخذه، وهو إما معنا أو مع الإرهابيين، ووجد الجهاديون في تصريحات بوش هدية من السماء، وقالوا بهذا الخط الذي رسم على الرمال إن أعضاء المجتمع المسلم اليوم لديهم نظرة جيدة عن مشهد المنافقين الذين باعوا أنفسهم للبيض، وكشف بشكل واضح عمن وقفوا مع أبناء المجتمع المسلم، ومن سارعوا لدعم "الصليبيين"، الذين قادهم بوش ضد الإسلام كما كتب تنظيم داعش في عدد المجلة الناطقة باللغة الإنكليزية دابق".
ويضيف أمراسينغام أنه "من وجهة نظر الجهاديين، فإنها كانت فرصة جيدة للكشف عن المسلمين الحقيقيين، الذين حصلوا على دعم المجتمع، وتمييزهم عن الذين لا يدعمهم المجتمع، وبهذا فإنها تعد منحة من الله، وزعم زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، في مقابلة له نشرتها مجلة دابق لاحقا أن هذا الخط الفاصل عنى إما أنك مع الصليبيين أو مع الإسلام".
ويتابع الكاتب قائلا: "بعد 16 عاما، ما هي نظرة الجهاديين لدونالد ترامب؟ وهو سؤال مهم بحاجة للنقاش، ويجب طرحه على الجهاديين أنفسهم؛ لأنه يؤثر في الدعاية التي ينشرونها، وفي موقفهم من الولايات المتحدة، وقد يكشف عن الطريقة التي يتصرفون بها تجاه الدول الغربية".
ويواصل أمراسينغام قائلا: "قابلت خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن خلال تطبيقات رسائل هاتفية متعددة، ومنابر على وسائل التواصل الاجتماعي، عددا من المقاتلين الذين سافروا من الدول الغربية للقتال في كل من العراق وسوريا".
ويقول الكاتب: "بعد انتصار ترامب في الانتخابات، طلبت من خمسة مقاتلين أن يقدموا لي رأيهم في ترامب، وفي البداية لم يكونوا مقتنعين بأن ترامب سيكون مختلفا عن أي رئيس أميركي، يقوم ومنذ 11/ 9، بحسب ما يقولون، بقصف المسلمين وقتل المدنيين، ومن ثم تحدث ترامب، وأصدر أوامر تنفيذية، وبدا وكأنه يشعل نار اليمين المتطرف".
ويشير أمراسينغام إلى أنه "مع مرور الوقت، بدأ هؤلاء الجهاديون بالجدال بأن ترامب يمثل أميريكا الحقيقية، وكان يقول ما كان يريد الساسة الأميركيون قوله، لكنهم يخشون التعبير عنه صراحة، وبحسب رأيهم، فإن الرؤساء الأميركيين كلهم، من باراك أوباما وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش، حاولوا خداع المسلمين الأميركيين، من خلال التركيز، وبطريقة مخادعة، على أن هناك فرقا بين الإسلام والإرهاب، وأن الحرب على الإرهاب ليست موجهة ضد المسلمين، لكنها ضد الإرهابيين".
وتنقل المجلة وجهة نظر مقاتل كندي من "داعش"، الذي يقول: "أعتقد أنه جيد لنا"، حيث كان يعبر عن رؤية التنظيم لترامب، وأضاف: "نحتاج إلى شخص مثله، مختلف".
ويقول الكاتب: "ترامب، بحسب مقابلاتي مع مقاتلي تنظيم الدولة والفرع السوري والعراقي لتنظيم القاعدة، هو أكثر صدقا، ولا يخشى أن يعبر عما يفكر به الأميركيون حقيقة".
ويورد المقال نقلا عن المقاتل ذاته، قوله: "أعني أن لا أجندة مخفية لديه أو مؤامرات خلف الستار، فهو واضح والجميع يعرفون، حتى الكفار، أنه يكره المسلمين"، ويقول مقاتل بريطاني من "هيئة تحرير الشام"، وهو تحالف من المقاتلين والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا: "الساسة لهم وجهان فينخدع الناس بهم، أما ما يقوله ترامب فهو واضح".
ويعلق أمراسينغام قائلا: "لهذا السبب يأمل الجهاديون أن يرى المسلمون الأميركيون تنظيم داعش والجماعات الأخرى المماثلة له وسيلة لمواجهة مأساة المسلمين، وسيستفيقون ويكتشفون أن تأكيد أميريكا أنها تحب المسلمين وتكره الإرهاب زعم خاطئ، وأن أميركا عادة ما تنظر إلى الإسلام والإرهاب على أنهما أمر واحد، وبالنسبة للجهاديين فإن ترامب يظهر هذا بشكل واضح ويخرجه للعيان".
ويؤكد الكاتب أن "هذا النقاش ليس جديدا بالطبع، حيث حاول المنظرون الجهاديون من خلاله كسب عقول المسلمين في الغرب وقلوبهم، وإقناعهم بأنهم سيظلون مهمشين، ولن يتم الاعتراف بهم".
ويلفت أمراسينغام إلى أن اليمني الأميركي والدعائي لتنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية المنظر أنور العولقي، تحدى في عام 2010 في كلمته "رسالة إلى الشعب الأميركي"، المجتمع المسلم، وأعاد تنظيم "داعش" لاحقا إنتاجها، وجاء في الرسالة: "للمسلمين الأميركيين أقول: كيف يسمح لكم ضميركم أن تعيشوا بسلام وتتعايشوا مع أمة مسؤولة عن الديكتاتورية والجرائم التي ارتكبت ضد إخوانكم وأخواتكم".
وتنوه المجلة إلى أنه بحسب رأي الجهاديين، فإن المسلمين استطاعوا العيش بسلام وتعايشوا، لأن الغشاوة وضعت على عيونهم من سياسيين مخادعين أقنعوهم بأنه مرحب بهم في الغرب، مشيرة إلى أنه بحسب هذا النقاش، فإن ترامب كان قادرا على تغيير كل شيء، وأعلن في آذار 2016، في مقابلة مع "سي أن أن"، قائلا: "الإسلام يكرهنا"، وحاول منع رعايا الدول المسلمة من دخول الولايات المتحدة.
وبحسب المقال، فإن "المرة الوحيدة التي يتحدث فيها ترامب عن المجتمع المسلم هي عبر سياق الأمن القومي، ففي أثناء المناظرة الرئاسية في تشرين الأول 2016، سأل مسلم أميركي ترامب حول الكيفية التي يخطط فيها للتعامل مع الكراهية ضد الإسلام إسلاموفوبيا، والتداعيات التي يمكن أن تؤثر في البلاد؛ نظرا لأنه نفسه تهديد عليها، فرد ترامب قائلا: "أنت محق حول الإسلاموفوبيا، وهذا عار"، لكنه واصل كلامه داعيا المسلمين لأن "يبلغوا عن المشكلات التي يرونها"، ولام الرئيس باراك أوباما؛ لأنه لم يستخدم تعبير "الإرهاب الإسلامي الراديكالي".
ويفيد الكاتب بأن سبستيان غوركا، الذي يقدم نفسه على أنه خبير في الإرهاب، ويعمل مع مسؤول الاستراتيجيات في البيت الأبيض في مجموعة المبادرات الاستراتيجية ستيفن بانون، استخدم التصريحات المثيرة للجدل ذاتها، مشيرا إلى أنه بالنسبة لغوركا، فإن استخدام اللغة الشاملة بشكل لا ينفر فيه أفراد المجتمع المسلم فقط، ما هو إلا شكل من أشكال "التقليل من خطورة التهديد"، واتباع ما يسميه غوركا "التصحيح السياسي"، حيث قال غوركا إن الإسلام الراديكالي نابع من "اللغة العسكرية" للقرآن.
وتجد "بوليتيكو" أن ترامب يغذي أجندة أخرى من أجندات الجهاديين وهي: تعزيز الظروف التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الجروح التي ستجلبها على نفسها، حيث علق أحد الجهاديين، الذين تحدث معهم الكاتب، قائلا إن ترامب يضر بنفسه، لافتة إلى قول المحلل في شؤون الإرهاب بريان فيشمان، إن هدف الجماعات لم يكن دائما يركز على تدمير الاقتصاد الأميركي فقط، لكن إضعاف النسيج الاجتماعي للبلاد، بشكل يقيد الحريات المدنية، ويؤدي إلى مفاقمة التوتر الذي يقبع تحت السطح.
ويقول أمراسينغام: "يناقش الجهاديون دائما أن أميركا تبدو قوية عسكريا وفخورة بوطنيتها، لكنها ضعيفة في الجوهر، فهي بلد متماسك من خلال التزام سكانها الهش للمبادئ، مثل الحرية الشخصية والحريات، وبحسب أحد المعلقين الجهاديين المعروف باسم يمان المخضب، فإن انهيار الولايات المتحدة سيحدث قريبا، وكتب "سيحدث عندما يفقد السكان الصبر وعندما تختفي هذه المبادئ والأسس".
ويضيف الكاتب أنه "في بلد تقوم فيه الشرطة بإطلاق النار، ويشهد توترات عرقية وإجهادا من الحرب، فإن الرئيس، الذي يخاف البعض من قيامه بتهميش الأقليات العرقية، سيعمل على تحويل أميركا للداخل، وسيقوم يعزلها، وهذا ما يريده الجهاديون، وهو ما انتظروه طويلا".
ويخلص أمراسينغام إلى القول: "في هذا السياق، فإن الجهاديين ليسوا بتلك السذاجة ليعتقدوا أنهم قادرون على هزيمة أميركا عسكريا، أي في ساحة القتال، لكن النقطة هي جر أميركا إلى حرب استنزاف، وتركها تضرب نفسها بنفسها، وإشعار المسلمين الأميركيين أنهم ليسوا آمنين في البلد، وبث الذعر في قلوب الأميركيين".
(بوليتيكو - عربي 21)