كلنا سمعنا عند بداية الحرب في اليمن من خرج من بيروت "مبتسماً" وصار يتحدث عن النصر الذي ينتظر الحوثيين بعدما لم يتبق من محافظات اليمن التي لم يسيطروا عليها وقتها إلا "محافظة ونصف" كما قال وقتها . ثم تحدث عن هزيمة السعودية في اليمن على يد الحوثيين الذين -وبحسب وعوده- سوف ينتصرون عليها وعلى حلفها, مُطلقاً على سياسة الحوثيين في مواجهة عملية "عاصفة الحزم" ما أسماه "الصبر الإستراتيجي", وهو مصطلح لم يفهم معناه أحدٌ إلى الآن ولن يفهمه أحد لأنه مصطلح لا معنى له أساساً سوى تعمية العيون بمصطلحات وهمية لا واقع لها !!
بعد سنتين من الحرب في اليمن وانحسار سيطرة الحوثيين على المحافظات اليمنية وبدء وقوع اليمنيين في مجاعة كبرى تتحدث عنها المنظمات الدولية, فإن نفس هذا المتحدث خرج قبل مدة ليناشد دول العالم ولا سيما المسلمين والعرب كي يساعدوا اليمنيين في مجاعتهم, وصار يصيح : اليمنيون عرب يا عرب ومسلمون يا مسلمون !!
هنا يجب أن نسأل هذا المتحدث ومن خلفه : لماذا ورَّطتم اليمن عبر الحوثيين بهذه الورطة التي جرَّت على اليمنيين الدواهي وأوقعتموهم ببحر دماء بعضهم البعض, ثم تخليَّتم عنهم إلا من مناشدات خطابية تطلب من الدول الرحمة لهم ؟!! . ألم يكن جديراً بالمحور الذي يُسمي نفسه "محور المقاومة" أن يُجنِّب اليمن وأهله هذه الكارثة ؟!!. ألم يكن جديرا بهؤلاء أن يعملوا على إصلاح ذاتِ بين اليمنيين وإصلاح ما بينهم وبين جيرانهم ولا سيما السعودية التي لطالما وقفت بجانبهم وآوتهم واستقبلت مئات الآلاف منهم ليعملوا في مؤسساتها, أم أن الحقد السياسي وشهوة السيطرة والهيمنة دفعت قادة هذا المحور إلى إلقاء اليمن وأهله في التهلكة ؟!! . وعلى قاعدة "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم" أسأل : إذا كنتم صادقين فعلاً في الشعارات التي ترفعونها والتي بسببها جعلتم الحوثيين يرفعون أعلامكم وصوركم في مؤسسات الدولة اليمنية, فلماذا لم تتدخلوا لنصرة أتباعكم الحوثيين وتمدون اليمن كلّه بالمؤن مهما كلّف الأمر ما دمتم تزعمون أن أعضاء محوركم لها قيمة واحدة, وأنه ليس هناك عضو في مرتبة السيد والآخر في مرتبة العبد ؟!!
كما جرى في اليمن جرى في سوريا وجرى في العراق, رأس يمكر ليوسِّع نفوذه القومي بإسم الدين والمذهب, وأعضاء هنا وهناك يتم استخدامها كعبدٍ أجير ليس له من الأمر شيئاً إلا أن يُنفِّذ ما يُطلَب منه بدراهم معدودة !!
على الحوثيين أن يستيقظوا من غفلتهم ويبتعدوا عن الأوهام التي دمّرت اليمن وحوّلت شعبه من شعب فقير إلى شعب جائع, وعليهم وعلى خصومهم اليمنيين -الذين هم إخوتهم في النهاية- أن ينهوا هذه المأساة العبثية عبر التواضع لبعضهم ونبذ التفرقة والعيش معا كإخوة متساوين لا كأسياد على بعضهم . فيما المطلوب من الإخوة في المملكة العربية السعودية أن تتصرف كعادتها مع اليمنيين -ومنهم الحوثيين- بأخوية وتَرَفُّع عن الحساسيات التي تنتج عن سوء السياسة الإيرانية في اليمن خاصة والمنطقة العربية عامّة .
على المملكة أن تحتضن اليمن وأهله بكل أطيافهم, وأن تعمل جاهدة على إصلاح ذات بين اليمنيين, وخصوصاً بعد التجربة التي خاضها الحوثيون عبر حلفاء مكروا بهم فأدخلوهم وأدخلوا اليمن معهم في غيلهب الفتن, ثم غدروا بهم وتركوهم وحيدين وسط الطريق . فهذه التجربة يجب أن تكون قد أعطت الحوثيين درساً هاما في السياسة الدولية وأن للدول مصالحها, بعيداً عن الشعارات البرّاقة الجوفاء التي أوقعتهم إيران في شراكها, حيث ساروا خَلفَها سَير العُميان, والتي جعلت اليمن وأهله في خبر كان !!
هذا ما نأمله من اليمنيين جميعاً, وهذا ما نرجوه من الإخوة قادة المملكة العربية السعودية تجاه جيرانهم اليمنيين جميعاً أيضاً, والمملكة أهل لذلك, وعليها أن تبادر لهذا الأمر بكل شجاعة وشهامة كما هو معروف عنها على الدّوام مع إخوانها العرب والمسلمين جميعا .
الشيخ عباس حطيط