مصير مجهول ينتظر نحو 5000 أوروبي انضموا للقتال إلى جانب تنظيم "الدولة الاسلامية" منذ ظهوره في العام 2014، بعدما بدأت دولهم بإجراءات سحب الجنسية منهم، لقطع طريق عودتهم، في ظل توجه دولي بزعامة واشنطن لاجتثاث التنظيم، بعد خسارته مناطق واسعة.


وبالتزامن مع التقدم الذي أحرزته القوات العراقية بدعم التحالف الدولي في الموصل عاصمة تنظيم "الدولة" منذ بداية شباط 2017، أكد الرئيس الجديد لجهاز مكافحة الإرهاب البريطاني، ماكس هيل، أن التنظيم يعرّض بريطانيا لـ"أخطر مستوى" من التهديدات الإرهابية، منذ تفجيرات الجيش الجمهوري الأيرلندي بالعاصمة لندن، في سبعينيات القرن العشرين.

يحذّر هيل في تصريح يوم 28 شباط، من خطر عودة البريطانيين، الذين سافروا إلى العراق وسوريا من أجل القتال بجانب "الدولة"، إلى بريطانيا.

وقال هيل، الذي تولى منصبه في العشرين من شباط 2017: إن "هناك مخاوف هائلة من عودة مئات المواطنين البريطانيين الذين غادروا البلاد للانضمام للقتال مع داعش".

وكانت كل من ألمانيا وأستراليا وبلجيكا وكندا وهولندا وفرنسا وسويسرا، بالإضافة إلى المملكة المتحدة، قد أقرت قوانين في عام 2015 تجيز سحب الجنسية من رعاياهم المنضمين إلى تنظيم "داعش".

ومنذ إنشاء التنظيم في العام 2014 وحتى إغلاق الحدود التركية واتخاذ السلطات في أنقرة إجراءات تحد من عبور المقاتلين الأجانب إلى سوريا، زاد عدد المقاتلين الذين التحقوا بصفوف "الدولة"، من دول أوروبا، إلى أكثر من الضعف منذ العام 2014 وحتى 2015.

ويشير تقرير أعدته لجنة مجلس الأمن في الأمم المتحدة، في نيسان من العام 2015، إلى أن عدد المقاتلين الأجانب شهد ارتفاعاً بنسبة 71%، بين منتصف عام 2014 وآذار 2015.

وأوضح التقرير أن نحو 20 ألف مقاتل أجنبي ذهبوا إلى سوريا والعراق من مختلف دول العالم، ومن ضمنها الدول الأوروبية، انضم معظمهم إلى تنظيم "الدولة"، في حين انضم قسم منهم إلى جبهة النصرة.

ذئاب بشرية

ووسط الحديث عن سحب الجنسيات من الأوروبيين المقاتلين مع "داعش" لمنع عودتهم، بات مصيرهم أمام منطق واحد؛ هو مواصلة القتال في الموصل والرقة حتى الموت، وفي حال نجاتهم فسوف يواجهون السجن إلى أجل غير مسمى؛ إما في بلادهم أو في معتقل غوانتنامو الذي يصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إبقائه مفتوحاً.

وفسر الخبير في الشؤون الأمنية، حسن الخالدي، المقيم في مدينة زيوريخ السويسرية، "المخاوف الأوروبية" أنها نابعة من تكرار الهجمات التي شهدتها أوروبا منذ العام 2004، مروراً بهجمات باريس الدامية في 2015 التي قتلت 140 فرنسياً.

وأضاف: "لا شك أن رفض عودة المواطنين الأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف داعش أمر مخالف للقيم الحقوقية والإنسانية لأوروبا، لكن الحكومات فيها لا تريد المغامرة باحتضان ما يمكن وصفه بـ "ذئاب بشرية" جاهرت بالعداء للمجتمعات الغربية، وتوعدتهم بالقتل بأبشع الطرق، فهي لا تعرف متى سينقض هذا الذئب، الذي قد يبدو وديعاً في بادئ عودته، على ضحاياه الذين كانوا تاريخياً من المدنيين".

صعود اليمين

من جهته، يرى حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات "الجهادية"، أن الخطوة الأوروبية تأتي ضمن تبني السياسة الأوروبية، مواقف يمينية متشددة، نتيجة صعود النزعة اليمينية القومية.

وأضاف: "الإجراءات في الماضي كانت ليبرالية قائمة على الاحتضان والدمج من جديد، لكن اليوم باتت الحكومات الأوروبية تتبنى إجراءات أكثر قسوة، في مسعى منها لقطع الطريق على عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصليين".

وبشأن إمكانية قيام المؤسسات المدنية الأوروبية بإعداد برامج لإعادة دمج هؤلاء المقاتلين، أوضح الخالدي أن "المجتمعات المدنية الأوروبية ترفض أيضاً وجود هؤلاء المقاتلين بينهم من جديد".

وأشار إلى "أن هناك بالأساس حساسية مفرطة لوجود لاجئين مسلمين على أراضيهم، فهم يظنون أنهم متشددون يخادعونهم كـ "الذئاب" حتى يتمكنوا، ثم يعمدوا إلى هجماتهم الإرهابية التي تهدد نمط حياتهم، فكيف إذاً يمكن أن تقبل هذه المجتمعات بمن أعلن صراحة عدائيته لهم في أسوأ موقف بشري؟".

واعتبر أبو هنية أن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، وتنامي نزعة "الإسلاموفوبيا" في الأوساط السياسية، انعكس على الشارع الأوروبي، وهو ما أدى إلى تعقيد مسألة التعامل مع هؤلاء المقاتلين، وجعلهم أمام وضع قاتم حتى لو حاول أحدهم العودة طوعاً.

وكان البلجيكي من أصول مغربية، عبد الحميد أبا عود، الذي قتلته السلطات الفرنسية في عملية نوعية، وهو العقل المدبر لهجمات باريس الدامية في تشرين الثاني 2015، والتي أودت بحياة 140 شخصاً، قد عاد من سوريا بعد مبايعته تنظيم "الدولة" أوائل العام 2015، ليقوم بالهجمات بعد التخطيط لها في مدينة منبج "شمال سوريا".

وشهدت أوروبا منذ العام 2004 وحتى العام 2015، سلسلة هجمات "إرهابية"، كانت أولى تلك الهجمات التفجير الدامي الذي وقع في العاصمة الإسبانية مدريد، عام 2004، وتسبب بمقتل 191 شخصاً، والذي تبناه القاعدة آنذاك.

مزيد من التطرف

وأمام هذا التشدد الغربي المدفوع بالخوف، يبدو أن الخيارات أمام المقاتلين الأوروبيين في سوريا والعراق للنجاة باتت "ضعيفة"، وهو ما أكده الخبير الأمني حسن الخالدي، واتفق معه حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات "الجهادية".

الخالدي يرى أن من يمكنه النجاة والعودة طوعاً، قد يكون بإمكان الجهات المدنية والحقوقية الأوروبية التدخل لحمايته، أما من يصر على المضي حتى النهاية في صفوف التنظيم فلن يكون أمامه سوى "الموت".

أما أبو هنية، فقد اعتبر أن خياراتهم انحصرت بين نزع جنسياتهم ومثولهم أمام المحاكم الجنائية الأوروبية، ومن ثم سيكون "السجن" بانتظارهم، مشيراً إلى أن هذه الخيارات ستدفعهم إلى "مزيد من التطرف والقتال حتى النهاية".

 

 

(الخليج اونلاين)