منذ أشهر إحتفل بعض غلاة الشيعة بما يسمى عيد "فرحة الزهراء" الذي يصادف في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول وهو اليوم الذي قتل فيه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وعندما نعرف الحدث التاريخي في هذا اليوم وهو مقتل الخليفة الثاني، نعرف حقيقة يوم فرحة الزهراء الذي ابتدعه مجموعة من غلاة الشيعية وكرسوه كيوم للإحتفال اعتمادا على رواية غير صحيحة منسوبة إلى الإمام العسكري عليه السلام .
واليوم وفي ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام يعود هؤلاء إلى شحن العصب المذهبي والطائفي ونشرالأضاليل والفبركات التاريخية في كذب صريح ومقصود على الله ورسوله والزهراء، هدفه فقط تأجيج الاحقاد الطائفية بين المسلمين وخصوصًا بين السنة والشيعة، ويجري ذلك كله تحت حجة الولاء لفاطمة عليها السلام، وأطلق هؤلاء مجموعة "هاشتاك" على مواقع التواصل الإجتماعي " لك في قلبي دار" وغيرها وكل ذلك معروف المقاصد والأهداف ولا يراد منه إلا إشاعة ما يسيء إلى الطائفة أولا، وما يؤدي الى مزيد من الإحتقان والإختلافات بين المسلمين ثانيًا، إذ لم يكن الولاء للزهراء والطائفة في يوم من الايام ببث العداء وترويج البدع لأن فاطمة الزهراء عليها السلام أكبر وأجل وأنقى وأطهر من كل هذه الأضاليل والأباطيل.
لقد بات هؤلاء الشيعة أو المتشيعون أدوات في تفتيت الطائفة الشيعية الكريمة وتوهين المذهب الشيعي الشريف ببث الأباطيل والتشوهات والفبركات التي لا تصيب إلا المذهب الشيعي وحده وتجعله مذهبا للبدع والضلالات والحوادث التاريخية غير المثبتة في معظمها.
إقرأ أيضًا: عين الحلوة وضرورة الحسم العسكري!!
وقد بات هؤلاء لا يعرفون عن الحسين سوى أنه شهيد في كربلاء وكذلك هم اليوم لا يعرفون عن الزهراء سوى أنها مظلومة ومقهورة وربما شهيدة بغض النظر عن التسليم بمبدأ شهادة الزهراء عليها السلام أو عدمها .
وقد روي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع): «إنّ فاطمةَ صدِّيقةٌ شهيدة» ولكن هذا النص يحمل التأويل وبحاجة إلى التفسير لأن لفظ «شهيد» استُخدِم في القرآن الكريم كثيراً، ولكنّه لم يُستعمل في المعنى المتبادَر منه اليوم، وهو «مَنْ يُقتَل في سبيل الله»، وإنّما استُخدِم بمعنى «الشاهد»، وعندما أراد القرآن الكريم أن يتحدَّث عن المجاهدين الذين يلقَوْن حتفهم أثناء القتال في سبيل الله عبَّر عنهم بقوله: «الذين قُتلوا في سبيل الله» وقد ذهب إلى هذا القول المرجع الدينيّ الكبير السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي رحمه الله.
وكذلك الأمر إذا عرفنا أنّ لفظ (صدِّيق) أُطلق في القرآن الكريم على الأنبياء والأولياء وعباد الله المؤمنين المخلصين، الذين لهم مقام الشهادة عند الله، حيث يقول: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاَء﴾ (النحل: 89)، و﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً﴾ (النساء: 41)، و﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ (البقرة: 143)، وإذا لاحظنا الاقتران بين لفظ (صدِّيق) ولفظ (شهيد) في الحديث عن هذه الفئة من عباد الله الصالحين والمخلَصين، ندرك أنّ معنى (صدِّيق شهيد) هو الصادقُ المصدِّق، صاحبُ الشهادة على الخلائق، وكيف تمَّتْ الحُجَّة عليهم، ولكنَّهم عصَوْا وانحرفوا.
وهذا هو بحق معنى «أنّ فاطمةَ عليها السلام صدِّيقةٌ شهيدة»، ولكنَّنا صبَبْنا جُلَّ اهتمامنا على شهادتها، وانصرفنا بوجوهنا عن التأمُّل في صِدْقها، مع الله عبادةً وإخلاصاً، ومع النبيّ (ص) إيماناً وتصديقاً وعَوْناً، ومع الإمام عليٍّ(ع) صبراً ونصراً، ومع أولادها رعايةً وتربية، ومع الناس تعليماً وإرشاداً وتزكيةً.
هي الصادقةُ المصدِّقة والمصدَّقة، والشاهدةُ على المسلمين، بَرِّهم وفاجرهم.
فهل نظر هؤلاء الغلاة اليوم الى ما هو أبعد من ذكرى وفاتها ؟ وهل نظر هؤلاء إلى ما تمثله الزهراء من الأخلاق والعلم والصفات؟ ماذا يعرف هؤلاء عن الزهراء غير أنها ضربت أو عصرت وراء الباب في روايات مختلقة غير مثبتة في التاريخ وهي ما تزال مدار خلاف بين علماء المسلمين.
فتشوا عن الزهراء العالمة التي أولت العلم اهتماماً كبيراً، فكان لها ورقاتٌ قد كتبَتْ فيها بعضاً من حديث رسول الله (ص)، فافتقدَتْها ذات يومٍ ولم تجِدْها، فنادت بفِضَّة أن تبحث عنها ، فإنَّها تعدل عندي حَسَناً وحُسَيْناً وكلُّنا يعرف مكانة الحسن والحسين عند فاطمة.
إقرأ أيضًا: مؤتمر القاهرة خطوة نوعية في وجه التطرف والإرهاب
وقد كانت عليها السلام تحضر مع نساء المهاجرين والأنصار تعلِّمهنَّ أحكام الإسلام، وتوصيهِنَّ بمكارم الأخلاق.
وهي الصابرة فقد صبرَتْ على ما لَقِيَه رسول الله(ص) من أذى المشركين في بداية الدعوة، وما عاناه في مواجهته لأعداء الرسالة طيلة 23 سنة وهنا الصبر الحقيقي لفاطمة.
وهي التي تحمَّلت شظف العيش مع زوجها الفقير، الذي لم يكن فقرُه لكَسَلٍ في الطَّلَب، وإنَّما هو زهدٌ في ملذّاتِ الدنيا الفانية.
فاطمة عليها السلام مدرسة في العلم والثقافة والتوحيد والإخلاص والحب والإيثار والوحدة والصدق والقوة ، هذه هي فاطمة التي لا تعرفون عنها سوى أنها مظلومة ضعيفة مكسورة.
إبحثوا عن فاطمة، عن حقيقتها التي أرادها عن أسرارها الإلهية عن سيرتها المقدسة عن الروح التي حملت الكثير الكثير من العطاء والتضحية والوفاء.
إرفعوا مغالاتكم عن فاطمة لا تقتلوها بغلوكم لا تجعلوها ضحية هذا الجهل والغباء إرفعوها إلى مقامها السامي الاعلى الذي أراده الله لها.