تحدّث رئيس لجنة الإعلام النيابية النائب حسن فضل الله خلال المؤتمر الثالث لمديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية في وزارة الإعلام، بعنوان "ثقافة الحوار ووسائل التواصل الاجتماعي"، والذي رعاه وزير الإعلام ملحم الرياشي في "الجامعة الأميركية"، وقال فضل الله: "يفتح هذا المؤتمر أبواب النقاش أمام الدور المفترض لوسائل التواصل الإجتماعي في تعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر. فالحوار بما هو المجادلة بالتي هي أحسن، وربما هو عملية تبادل الآراء والأفكار حول قضية ما، يحتاج إلى المعرفة الواسعة، والفطنة والحذاقة وصقل النفس، وكلّها من معاني الثقافة، وحين يتوفر ذلك يحوز القائمون بأي حوار على ملكة فنّ التخاطب والنقاش الموضوعي، وإيصال الآراء بأسلوب راق يحقق الهدف المنشود".
أضاف: "يسهم الحوار في تقريب وجهات النظر بين مختلفين، للتفاهم أو الإختلاف الذي لا يفسد قواعد الإحترام، وأفضل طرقه التخاطب المباشر، وأفضل أساليبه إجادة فن الإستماع، والإقناع والإقتناع بالمنطق العلمي، وبالدليل والبرهان. وغير ذلك ممّا ينضح بلغة التحريض والإثارة والتضليل مع المعاندة والمكابرة، ونراه على وسائل إعلامية أو في منتديات متنوعة، لا يمت الى لغة الحوار بصلة".
وتابع: "صار لدينا في عالم اليوم وسائل جديدة للتخاطب غير المباشر، وأبرزها وسائل التواصل الإجتماعي التي تحولت إلى منصة حوار وتلاق، وأحيانا الى منبر للتراشق وتعميق الشروخ الإجتماعية والسياسية. لقد أعادت هذه الوسائل تشكيل الساحة الإعلامية العالمية وفتحت الفضاء الإعلامي ليكون متاحا أمام الراغبين في ولوجه، بعيدا عن هيمنة الإعلام التقليدي ومحتكريه، فصار بإمكان الفرد أو مجموعة من الأفراد، أو الجماعة ككل، تشكيل وسائلهم الإعلامية وإيصال أفكارهم وصوتهم وصورتهم الى حيث يصل هذا الفضاء الإعلامي. فلم تعد المعلومة محتكرة كما في السابق، وان كانت التقنيات الأساسية لا تزال محتكرة، ولكن مثل هذا الإحتكار لم يستطع حجب الفضاء الإفتراضي".
ولفت إلى أنّ "النقاش القانوني لا يزال قائماً حول طبيعة التوصيف المعطى لوسائل التواصل هل هي وسائل إعلام؟ أم منصات للتعبير الفردي؟ فلا تخضع والحال هذه للموجبات القانونية التي تخضع لها وسائل الإعلام التقليدية، وهو نقاش أوصلنا في لجنة الإعلام والإتصالات النيابية في خلال نقاش اقتراح قانون الإعلام الجديد إلى اعتبار وسائل التواصل الإجتماعي، وسائل تعبير شخصية لا تخضع لقواعد القانون الجديد، ولذلك بقيت مشمولة بالمواد التي تتناول قضايا النشر، ولكن بحسب الواقع، فإن انتشار وسائل التواصل وتأثيرها تجاوز في عالم اليوم إطار التعبير الفردي لتتحول إلى الوسائل الأكثر شعبية".
وأكّد أنّ "الحديث عن القانون يقودنا إلى تأكيد أهمية احترام حرية التعبير المحمية في دستورنا، فالحرية هي إحدى الميزات الأساسية للبنان، بل هي المكون الميثاقي الأول، الذي لا معنى للبنان من دونه، ونحن من موقعنا النيابي والسياسي والثقافي متمسكون بهذه الحرية الى أبعد الحدود. إننا بمقدار حرصنا على حماية الحريات وبخاصة الإعلامية، فإنّنا ومن الموقع ذاته حرصاء على حماية خصوصيات الآخرين، فلا يجوز وفق كل المعايير الإنسانية والأخلاقية، الإعتداء على هذه الخصوصيات، لأن الحرية بما هي قيمة إنسانية راقية، دافع للتمسك بحرية الآخرين، واحترام ثقافتهم، والمحافظة تنوع الإنتماءات في الوطن الواحد وعدم الإساءة الى القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، وهذا مبدأ إنساني عالمي أقرته المواثيق الدولية، وملزم للجميع بما فيه وسائل الإعلام لأنها قيم محمية ايضا بالقوانين الوطنية، بما فيها القانون اللبناني".
وقال: "إنّنا في لبنان معنيون، ومن مواقعنا المتنوعة، أن نعمل على إعادة رسم دورنا كوطن التنوع بأبعاده المختلفة السياسية والدينية والثقافية، وتقديمه كملتقى للحوار، فهذا الوطن الذي نريد المحافظة عليه كنموذج لهذا التنوع والتعايش السلمية، والسيادة والكرامة الوطنية، يستحق منا جميعا أن نبذل في سبيل الحفاظ عليه كل تضحية ممكنة، وهو ما بذلته أنفس زكية لمقاومين وجيش وطني في سبيل تحريره من الإحتلال الإسرائيلي وحمايته".
ورأى أنّ "المحافظة على بلدنا وفق هذا الدور المنشود تتطلب تعزيز مظلة الأمان السياسي والإجتماعي، ما دامت المظلة الأمنية الوطنية قد وفرت الإستقرار النسبية في مرحلة اللهيب الذي يحيط بنا، والمخاطر المحدقة بنموذجنا الوطني بفعل انتشار ظاهرة الغلو والتطرف، وتكفير الآخر، وإلغائه من الحياة، وهي ظاهرة تستهدف المنطقة وتتربص بنا، وهي تستخدم وسائل عنفية كثيرة، ولا توفر لنشر أفكارها الهدامة ما لديها من وسائل إعلام وتقنيات بصرية".
وتابع: "إنّ مظلة الأمان السياسي والإجتماعي لبلدنا توفرها سلطة وطنية منبثقة من إرادة شعبية متحررة من قيود قوانين الإنتخاب المفصّلة على غير قياس الشعب، فالمقاس الوحيد للشعب اللبناني هو القانون العادل الذي لا نراه إلا بالنسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر موسعة، فهذا هو الطريق الصحيح لنا جميعاً من دون أن نغفل وجود هواجس بحاجة للمعالجة. إنّ سلوك هذا الطريق يتطلب تسريع وتيرة الحوارات الداخلية للتفاهم على القانون وعلى معالجة الهواجس، ونحن منفتحون على هذه الحوارات وعلى تبادل الآراء والأفكار، ومستعدّون لتقديم كل ما يلزم للوصول إلى هذا القانون العادل، لأنّ شعب لبنان يستحق الأفضل، ويستأهل أن يتواضع له المتمسكون باحتكار السلطة عن طريق أكثريات وهمية، لم تنتج سوى توالد الأزمات الوطنية وتفاقمها. مع الإشارة الى ان عامل الوقت ضاغط على البلد كله، وليس على طرف دون آخر".
وقال: "إنّ مثل هذا القانون الإنتخابي هو الذي يعطي للشعب القدرة على محاسبة ممثليه في السلطة، فيعيد الإنتظام إلى عمل المؤسسات على قاعدة المساءلة والمحاسبة، فمن دون المحاسبة القانونية العادلة، بلا محاباة ومحسوبيات ومحميات سياسية وطائفية ومذهبية، سيبقى الفساد متغلغلا في شرايين الإدارات الرسمية وهدر المال العام ونهبه والتسيب سائداً، ومن دون المحاسبة ستبقى هذه المساءلة مجرد حشرجات لمواطنين لا يجدون متنفسا سوى وسائل التواصل الإجتماعي، لصب جام غضبهم على الواقع القائم، غضب لا يصل الى آذان المسؤولين المطمئنين الى عودتهم للمجلس النيابي والحكومة بمحادل القانون الأكثري".
وختم: "إنّ هذا المؤتمر الذي تبادر إلى تنظيمه مديرية الدراسات والمنشورات في وزارة الإعلام اللبنانية فرصة مهمة للتباحث في العناوين المدرجة على جلساته، فعلى عاتق المشاركين تقع مهام أساسية، كتقديم الأفكار التي تسهم في الإستفادة من وسائل التواصل الإجتماعي كمنصة للحوار البناء والإيجابي، خاصة بين الشباب وهم الأكثر استخداما لهذه الوسائل، وفي نشر ما يفيد المتلقين من فكر وثقافة وقيم أخلاقية واجتماعية، وتبادل الخبرات والتجارب، والإبتعاد عن التحريض، ولغة الشتائم، وترسيخ مبدأ العيش الواحد، وتعميق الإنتماء للوطن".