الخصخصة "فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية، تهدف إلى تحويل عدد كبير من القطاعات الإقتصادية، والخدمات الإجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص"، وطُرحت مسألة الخصخصة لأول مرة بشكل رسمي في 11/3/1992 في عهد حكومة الرئيس عمر كرامي التي كلفت لجنة خبراء لوضع تصور عام لخطة عمل إقتصادية مالية لمعالجة الضغوطات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني في ذلك الوقت، ودعت اللجنة في تقريرها إلى "ضرورة تخصيص (خصخصة) بعض الأنشطة العائدة لقطاع الدولة وذلك لعدم توفر إجراءات إدارية إصلاحية حقيقية."
وتبدو مشكلة خصخصة الكهرباء المطروحة جديداً من قبل القوات اللبنانية على طاولة مشروع الموازنة معقدة، لاسيما أنها تواجه رفض وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أعلن "أن الموازنة ستقرّ من دون خصخصة الكهرباء، ومطلب القوات محق لكنه نظري ويحتاج الى خمس سنوات". لكن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع برر رد حليفه أن الأخير "يقصد بكلامه خصخصة الكهرباء ككل، لكن المقصود هو تطبيق القانون 288 الذي يسمح للدولة فوراً بإعطاء التراخيص إلى القطاع الخاص، الذي يستطيع البدء في إنتاج الكهرباء خلال سنة، أو أكثر بقليل".
وقد استغرب البعض من توقيت هذا الطرح في مشروع الموازنة، إلا أن جعجع أوضح: "أن مشروع الموازنة يتضمّن بنداً بمبلغ مليار ونصف مليار دولار أميركي مخصصة لدعم الكهرباء" متسائلاً: "لماذا لا نوفّر هذا المبلغ بدلاً من البحث عن زيادة الضرائب، حيث تتم إضاعة نحو ملياري دولار أميركي يدفعها اللبناني كفواتير للمولدات الخاصة".
إقرأ أيضًا: الكوتا النسائية: لبنان في المركز ما قبل الأخير
مطلب جعجع لاقى موافقة رئيس لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب محمد قباني الذي أشار إلى "ان القطاع الخاص جاهز للبدء فوراً بإنتاج الطاقة وبيعها." مشدداً على "أهمية إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء للإشراف على القطاع، وإعطاء التراخيص للشركات لانتاج الطاقة". كاشفاً عن "ثلاث شركات موجودة في عكار جاهزة لتوليد الكهرباء من الرياح، وهي تنتظر منذ أربع سنوات حصولها على الترخيص".
أما نجاح الخصخصة مشروط بشروط لضمان نجاحها، ويمكن أن تكون مورد ناتج للدولة وأبرزها: السوق التنافسية الحرة، السوق المالية المتطورة، المؤهلات الادارية العالية، وخطة إصلاح مالي تهدف الى تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات وخفض الإنفاق العام، ولكن هل هذه الشروط متوفرة فعلاً؟
صحيح أن للخصخصة دور إيجابي من خلال وضع المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، لكن للأسف ذلك الدور الإيجابي يغيب في لبنان في ظل هدر أموال الشعب اللبناني، وإحتكار القطاعات المخصخصة والمحاصصة السلطوية.
ففي عام 2016 انتهت الدولة من إنشاء معملين جديدين في الزوق والجية، إلا أنهما حتى اليوم لم يتم العمل بهما، لأسباب تقنية ومالية ولكن الأهم أنها سياسية، بسبب عدم التوصل إلى إتفاق على شركة خاصة تتولى مهمة الصيانة والتشغيل في ظل الصراعات المحتدة على المصالح الخاصة بين رجال الأعمال وأصحاب الشركات الخاصة، في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط، وقيمة الدعم لأسعار الكهرباء مما يعيق قدرة المؤسسة على تحسين الإنتاج.
إقرأ أيضًا: بين الزيارة والزيارة: دخان عين الحلوة يهدد لبنان
من المفترض أن تحظى المناطق اللبنانية ب12 ساعة من الكهرباء يومياً، لكن توزع الكهرباء بطريقة غير عادلة على تلك المناطق، فمعظمها يشكو من قلة ساعات الكهرباء المتوفرة فيما تحظى مناطق أخرى بساعات تفوق ال 12 ساعة.
إذاً ما هي الضمانات على أن القطاع الخاص وشركاته سيغيران تلك الحالة؟ وهل سيوفران الكهرباء للمواطن اللبناني بالتساوي وسط الصراعات "الخاصة" بين شركات القطاع ورجال الأعمال من حيث صيانة وتشغيل المعامل في وقت تتنافس فيه شركات القطاع الخاص على استحواذ تلك المعامل لأن قطاع الكهرباء مربحٌ جداً!