إن المطالبة بأن يفعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى دوره الوطني – الأمر الذي أسلفنا الحديث عنه – لا تعني بالضرورة انزلاق المجلس لمتابعة صغائر الأمور المحلية، بقدر ما تعني مواكبته للقضايا الوطنية الكبرى، فالمجلس الشيعي مؤسسة ملية يفترض أنها تمثل طائفة معينة، و تعمل على رفع مستواها، ما يعني أنها ليست حزبا سياسيا يهدف لاستقطاب الجماهير و المؤيدين!
و إن كانت الساحة الإسلامية اللبنانية بشكل عام تشهد خللا في الدور الذي تلعبه مؤسسات الطوائف الإسلامية فقط، دون المؤسسات الملية المسيحية!
و لعل سبب ذلك لارتباط مؤسسات المسلمين (المجلس الشيعي، و دار الفتوى، و مشيخة العقل، و المجلس العلوي) بالدولة اللبنانية بشكل مباشر، حيث إنها تتبع على وجه التحديد لرئاسة مجلس الوزراء.. هذا بخلاف واقع الساحة المسيحية، لوجود مسافة أكبر بين المرجعيات الدينية المسيحية و بين السلطة الرسمية.
إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني في المجلس الشيعي (15): في الدور الوطني المفقود للمجلس الشيعي
و هذا أمر ضروري، كون المطلوب من هذه المؤسسات أن تأخذ دور المرجعية الدينية العليا للطوائف، و أي ارتباط إداري بالدولة يخضعها لسلطة أصحاب النفوذ، و هذا بعينه ما نعاني منه راهنا!
و إن وجود شخصية قوية على رأس المجلس الشيعي تحد من تدخل القوى السياسية ضمن المجلس، و هذا ما خبرناه سابقا إبان ترؤس الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للمجلس الشيعي، حيث إن مكانته العلمية المتقدمة، و شخصيته القوية حالتا دون تمكن القوى السياسية من التأثير عليه بشكل عام، و إن كان الأمر لا يخلو من استثناءات، لكن بالإجمال تمكن الإمام شمس الدين من منع الساسة من التدخل في شؤون المجلس الشيعي.
و من المستحسن معرفة أن عمل مؤسسة كمؤسسة المجلس الشيعي يفترض أن يحتل الموقع الأبوي داخل الطائفة، و تاليا يعني أنه ليس من حقه الدخول في الزواريب الضيقة للسياسة المحلية، بل ينبغي عليه تعاليه عن ذلك، لكي يتمكن من تبوء الموقع الأبوي، و كلما زج نفسه بقضايا خاصة و صغيرة، كلما فقد دوره المطلوب اضطلاعه به..
و أسوأ من كل ذلك تحول المجلس الشيعي لمنصة للقوى الحزبية، الحالة التي نعاني منها في أيامنا، لأنه يتقزم دوره و ينحصر بأطراف معينة، دون أن يكون مرجعا و جامعا لكل القوى السياسية على اختلافها!
و أي مقارنة بين واقع المجلس الشيعي سابقا و واقعه الراهن يتضح الفرق و المراد بشكل جلي.
إقرأ أيضًا: إصلاحا للخلل القانوني(14): نحو إدارة سليمة لأوقاف الطائفة الشيعية في لبنان
فمثلا في مرحلة الإمام السيد موسى الصدر كان المجلس مستوعبا لمختلف القوى السياسية وقتذاك، بما فيهم اليسار، ما ساعد قيادة المجلس لأن تسعى لاحتضان كامل الأفرقاء، و أما اليوم فقد تحول المجلس لبوق يعبر عن آراء جهات حزبية، ما يجعل المجلس يتعاطى مع بعض الأفرقاء الشيعة من موقع الخصم و ليس من الموقع الأب و الحاضن و الموجه..
نختم، ليبادر المجلس الشيعي لاستعادة مكانته الوطنية و الإسلامية و العربية، و ليكن بحجم الأمة، مستوعبا لكل أبناءه على اختلافاتهم السياسية، بل حتى و لو على خلافهم معه، و حينها يبدأ المجلس الشيعي بالكبر!!