التهديد الكلامي المتبادل بين اسرائيل و"حزب الله" في الأيام الأخيرة ومَن منهما يستطيع أن يدمّر الآخر أكثر إذا وقعت الحرب، هو أشبه ما يكون بجوقة الزجل التي تسقط القمر على الأرض بيدها أو تطفئ نور الشمس بنفخة من فمها...
لقد كان في علم اللبنانيين أن حرب تموز 2006 بين اسرائيل و"حزب الله" هي آخر الحروب لأن اسرائيل تلقّنت درساً لن تنساه ولن تكرّر الخطأ. لكن ما العمل إذا كرّرته؟ هل يرد "حزب الله" بقرار يتخذه وحده كما فعل في حرب تموز وقد يجد نفسه وحيداً هذه المرة، أم أنه يعود إلى مجلس الوزراء بحسب الدستور ليتخذ القرار كي يتحمّل الجميع مسؤولية اتخاذه؟ فحرب جديدة مع اسرائيل، أياً يكن البادئ بها، ستكون هذه المرة حرباً مدمّرة لكلا الطرفين مع فارق أن اسرائيل قد تستطيع إعادة اعمار ما تدمّر فيها، لكن لبنان قد لا يستطيع ذلك باعتماده على الدول الشقيقة والصديقة التي لم تعد مالياً في الوضع الذي كانت فيه كي تساعده. وعندها سيحتاج لبنان إلى وقت طويل ليقوم من تحت الأنقاض، وهو ما يجب أخذه في الاعتباره عند اتخاذ قرار بالحرب.
وإذا كانت إيران هي التي قرّرت الحرب على اسرائيل في تموز 2006 ونفَّذ "حزب الله" قرارها، فقد لا يكون في استطاعتها أن تفعل ذلك اليوم إلّا إذا كان في امكانها التأثر على من تمون عليهم داخل الحكومة وخارجها والافادة من قول الرئيس ميشال عون "إن زمن العدوان بلا رادع ولّى إلى غير رجعة" رداً على تهديد وزير الاستخبارات الاسرائيلي بضرب البنى التحتية في كل لبنان. وكان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سبق الرئيس عون في الرد مهدّداً بضرب مفاعل ديمونا النووي. فإذا كانت اسرائيل لا تقرّر الحرب على لبنان وعلى غيره إلّا بقرار يصدر عن مجلس الوزراء وبعد استشارة قيادة الجيش، فمن سيقرّر إعلان الحرب على اسرائيل ويكون الرد مناسباً؟ هل يقرّرها "حزب الله" بإشارة إيرانية، أم بقرار يصدر عن مجلس الوزراء؟ وهل يتفق الوزراء وهم "من كل وادٍ عصا" على اتخاذ مثل هذا القرار المهم من دون الأخذ في الاعتبار القرار 1701 وقد نُفّذ منه وقف العمليات العسكرية في الجنوب ونشر قوات دولية على طول الحدود اللبنانية مع اسرائيل، ولم يتوصل بعد الى تحويل وقف هذه العمليات هدنة بين الطرفين كما يدعو القرار، ولا تتعرّض الحكومة للانفجار من الداخل لأن فيها وزراء يمثلون اتجاهات سياسية متناقضة تجعلهم غير مستعدّين لأن يتحمّلوا مسؤولية اتخاذ قرار يتحمّل الشعب عواقبه الوخيمة؟
وللتذكير فإن نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم كان قد أعلن في حديث له عام 2011 أن "لا قدرة لاسرائيل على شن حرب جديدة، ولو أنها فعلت فنحن متفوقون عليها، عدا أنها تتخبّط بالأزمات وكذلك الدول الحليفة لها، وأن نقطة الحوار الوحيدة التي يجب البحث فيها هي الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي لا نوافق فيها على أي شروط تعطي اشارات خاطئة حول الموضوع. فلبنان له عدو واحد اسمه اسرائيل، وعلينا أن نناقش الاستراتيجيّة الدفاعية لحماية لبنان بالطريقة المناسبة ونقطة على السطر". وأضاف: "نقول للمراهنين على متغيّرات سورية لإضعاف المقاومة لا تضيّعوا وقتكم"... وهذا ما جعل "حزب الله" لا يوافق على أي استراتيجية تضبط استخدام سلاحه لأن الحزب يعلم أن لهذا السلاح دوراً إقليمياً بدأه في الحرب السورية، ولن يتخلّى عنه أو يقبل بوضعه في كنف الدولة اللبنانية إلّا عندما ينتهي دوره. والكل يذكر تهديد السيد نصرالله "بقطع اليد التي تمتد إلى سلاح الحزب".
الواقع أن الحرب بين اسرائيل ولبنان لا تقررها أيّ منهما بل الدول المعنية في المنطقة وتحديداً أميركا وروسيا، وما دامت الحروب فيها مشتعلة ولا سيما في سوريا والعراق واليمن وليبيا وهي تشغلها عن أي أمر آخر، فلا مصلحة لها بفتح جبهات جديدة، ولا مصلحة لـ"حزب الله" في خوض حرب ضد اسرائيل وهو منخرط في الحرب السورية، ولا مصلحة لاسرائيل في خوض حرب مع أي دولة ما دامت تتفرج على العرب والفلسطينيين وهم يتقاتلون، كما لا مصلحة لإيران في الحرب وهي منشغلة بأكثر من حرب في المنطقة وإلّا لكانت جعلت النظام السوري يرد على ضربات اسرائيلية داخل سوريا، ولا أميركا وروسيا تريدان حرباً، والأولوية عندهما هي القضاء نهائياً على "داعش" وفروعها في كل دولة. لذلك فإن الحرب بين اسرائيل و"حزب الله" تبقى حرباً كلاميّة حتى إشعار آخر.