بعد ثمانية أيام على تسلمِه مهمّاته الرئاسية في البيت الأبيض أصدر ترامب سلسلة أوامره التنفيذية التي طاوَلت النظام الصحي وقوانين الهجرة بالإضافة الى الطلب من وزير دفاعه الجديد الجنرال جيمس ماتيس (28 كانون الثاني 2016) الخطط اللازمة لتسريع الحملة ضد المتطرفين في مهلة 30 يوماً تعبيراً عن رفضه سياسات سلفه باراك اوباما وعدم إحراز إدارته ايّ تقدّم في القضاء على «داعش».
بدايةً يَعترف احد الدبلوماسيين الكبار القارئين في مفاجآت ترامب وتداعياتها على بلاده والعالم في الأيام الأولى من دخوله البيت الأبيض أنه أصابَ في تكليف ماتيس هذه المهمة في منطقة يعرفها برّاً وبحراً وجوّاً.
فهو من تولّى القيادة المركزية الأميركية الوسطى ما بين 2010 و2013. وهي مهمّة تلت تولّيَه قيادة قوات حلف «الناتو ما بين 2007 و 2009 بعد قيادته قوات المشاة الأميركية في حرب الخليج الثانية 1991 وفي حرب العراق 2004 فور إنجاز مهماته في حرب افغانستان.
وبناءً على ما تقدّم، يضيف هذا الديبلوماسي الكبير الذي أمضى حياته في مراحلها الأولى في مهمّات عسكرية، أنّه كان في استطاعة ماتيس تقديم تقرير فوري، ولم يكن يحتاج مهلة الشهر لوضعه طالما إنه يتناول مصيرَ منطقة تولّى الإشراف عليها عقداً من الزمن وكانت له جملة من الاقتراحات التي يقال إنّ أوباما رفضَها التزاماً منه بوعود قطعَها للأميركيين بعدمِ تعريض حياة أيّ جندي اميركي للخطر بعد حروب آل بوش في افغاتستان والكويت والعراق.
ولذلك فإنّ توصيات ماتيس، أياً كان مضمونها، والتي رفعَها قبل أيام ضمن المهلة التي أعطيَت له، باتت في عهدة مجلس الأمن القومي حيث يجري تحليل المقترحات التي تضمّنتها لاختيار الخطوات الواجب اتّخاذها لتسريع القضاء على «داعش».
وفي المعلومات القليلة التي وردت من واشنطن انّ الخطة لا تقف عند الإجراءات العسكرية فحسب، بل إنّها تلحظ وجودها من حروب جديدة على الولايات المتحدة خوضها في اكثر من قطاع اقتصادي ومالي وعسكري في آن.
وهي تحتاج الى حلفاء من القوى العسكرية من هذه الدول ومن أخرى من حلفائها من الدول الإسلامية، خصوصاً أنّ معظمها ممّن شارك في مناورات «رعد الشمال» التي جرت في «حفر الباطن» في المملكة العربية السعودية نهاية شباط 2016 وعدد منها من دول تشكّل «الحلف الدولي» على «داعش» الذي اعلنَ عنه من مؤتمر جدّة في 11 أيلول العام 2014 وعلى تجاوب الحكومات المعنية في دول أخرى حيث لا توجد أيّ مواجهات عسكرية.
ولذلك ستتعدّد الخيارات الأميركية في ساحات المنطقة. فما هو مطروح للعراق يبقي الرهان على الجيش العراقي الذي يقوم بمهمّات كبيرة نتيجة التدريبات والاستشارات التي يقدّمها اكثر من خمسة آلاف خبير واستشاري أميركي عدا عن الدعم الجوّي المباشر الذي تقدّمه واشنطن.
أمّا في سوريا فما زال النقاش دائراً بين أهمّية أن ترفع واشنطن من أدوارها العسكرية أو عدمه. فوجودها في مناطق القامشلي والحسكة والجيب الكردي في الشمال السوري قد لا يتوسّع الى مناطق أخرى، فالوجود الروسي أبعدها عن دمشق والساحل الشمالي. ولذلك سيكون الرهان موزّعاً على خيارات متناقضة ما لم يكن التدخّل العسكري مباشرة.
ودون الخطة الأميركية الخاصة بسوريا عوائق تشير اليها أسئلة عدة، ومنها: كيف يمكن ان تراهن الإدارة الأميركية على تزخيم الدور الكردي في ظلّ الخلافات مع انقرة على حدود الجيب التركي المحتلّ من سوريا والممتد بين كوباني وعفرين وفي عمق يمتدّ الى مدينة الباب؟
وهل سينجح الأميركيون في منعِ المواجهة الحتمية بين القوّتين في منبج إن قدّمت القيادة التركية اولوية السيطرة على مناطق غرب مجرى الفرات كاملةً وطرد الأكراد الى شرقها؟
وهل يمكنهم تجنّب المواجهة الأخرى بين الأتراك والجيش السوري الذي يسعى للوصول الى منطقة الأكراد عن طريق الرقة لإبعاد الأتراك عنها؟ وهل سينجح الرهان السوري - الايراني على تفاهم ممكن بين النظام والأكراد لدعمهم في المواجهة مع أنقرة؟ وأين دور الروس من هذه الخطط الأميركية؟ وهل سيتفرّجون؟
أمّا في لبنان فقد وصلت أولى الرسائل الأميركية التي نَقلتها وفود اميركية من مختلف الاختصاصات. فإلى الوفود العسكرية الأسبوعية كانت زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت كوركر جونيور الذي حدّد موقعَ لبنان في هذه المرحلة من خلال جولته على المسؤولين الكبار مستطلعاً رؤيتهم للتطورات، قبل تجواله ميدانياً على النقاط التي تشكّل هدف الدعم الأميركي للبنان بدءاً من مواقع الجيش الحدودية ومخيّمات النازحين السوريين في عرسال، وكذلك قبل أن يناقش مع البطريرك الماروني التجربة العراقية والكردية مع النازحين العراقيين المسيحيين إلى تلك المناطق.
ولعلّ أبرز الرسائل عن موقع لبنان المميّز في القراءة الأميركية لمستقبل المنطقة، تلك التي نَقلها خليفة الجنرال ماتيس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزيف فوتيل الذي ابلغً إلى رئيس الجمهورية نتائج الاجتماعات القيادية التي عقِدت للمرّة الأولى عقب تسلّمِ ترامب مهمّاته والتي ضمّت ضبّاط الأركان المشتركة وقادة الأسلحة والمناطق العسكرية في العالم، حيث جرى تقويم التطوّرات على المستوى العالمي والتي انتهت إلى تأكيد استمرار الدعم العسكري للجيش اللبناني وفق حاجاته بكلّ وجوهه، وضمان تفوّقِه بقدراته القتالية أو البشرية، وتمكينه من مواجهة المخاطر على الحدود أو في الداخل اللبناني، وكلّ ذلك ليكون شريكاً فاعلاً من موقعه.
وإلى هذه المهمة العسكرية التي أنجزَتها الوفود الأميركية تنتظر بيروت في المرحلة المقبلة عودةَ وفود أميركية من وزارة الخزانة الأميركية لنقلِ الشقّ الثاني من الرسالة الاميركية العسكرية وهي التي تعني الحربَ الاقتصادية والمالية على الإرهاب.