جاء تسريب معلومات بشأن اتفاق رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي، وسلفه نوري المالكي على خوض الانتخابات القادمة في قائمة انتخابية واحدة، محاولة لتطويق المشاعر المتأجّجة بين أتباع كلّ من الرجلين، إثر تعرّض العبادي لهجوم مهين من متظاهرين في مدينة الكوت بتحريض واضح من أتباع المالكي.
وكشف التراشق الحادّ بين أنصار الطرفين عن بلوغ الصراع داخل حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي والمالكي، مرحلة منذرة بانفجاره، وهو ما لا تسمح به إيران التي لا تمانع في تنافس الموالين لها داخل العراق، ولكنّها لا تسمح بإضعافهم إلى درجة خروج السلطة من أيديهم، فتخسر بذلك وكلاء موثوقين يضمنون بقاء البلد سابحا في فلكها.
غير أنّ هذا التسريب المقصود لم يكن كافيا لتهدئة جماهير الطرفين ووقف التراشق الإعلامي المستمر بين ساسة جناحي حزب الدعوة الحاكم.
وانقسم الحزب إلى جناحين، منذ تنحية المالكي من سدة السلطة، وتسمية العبادي رئيسا لوزراء العراق، ليترجم هذا الانشقاق بحملات يشنها أتباع كل طرف على الآخر، حتى بلغت ذروتها عندما حاصر، الثلاثاء، مؤيدون للمالكي موكب العبادي في جامعة واسط، التي كان يقوم بزيارة تفقدية لها، ورشقوه بالحجارة.
ومع أن حزب الدعوة حاول لملمة أحداث الكوت بإدانتها، إلاّ أن موقفه لم يجد له صدى في تصريحات ساسة يمثلون الطرفين.
واعتبر الحزب الأحداث التي رافقت زيارة رئيس الوزراء إلى جامعة واسط “تصرفات مشينة”، متّهما بعض الجهات بمحاولة تسييس الجامعات.
ونأى رجل الدين مقتدى الصدر بتياره الذي عرف بتنظيمه سلسلة احتجاجات في البلاد عن مسؤولية التظاهرات التي واجهت العبادي.
وقرأ المراقبون اعتذارا تقدم به الصدر للعبادي عن “ذنب” يبدو أنه لم يقترفه، بوصفه رسالة بشأن إمكانية العمل المشترك بينهما، لكنها لم تلق صدى لدى رئيس الحكومة.
وتوجهت أصابع اتهام مقربين من العبادي نحو مقربين من المالكي، على رأسهم النائب المثير للجدل كاظم الصيادي، بتنظيم تظاهرة واسط.
شق نوري المالكي يرى زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأخيرة إلى بغداد انتصارا دبلوماسيا للعبادي
وقال مقربون من العبادي إن التظاهرة قادها أشخاص تابعون للصيادي، بدفع من المالكي، لتعكير الأجواء الإيجابية التي تحيط بالحكومة العراقية المتجهة إلى فكّ العزلة عن العراق وتوسيع دائرة علاقاته خارج الفلك الإيراني، وهو ما تجلّى خصوصا في كثافة التواصل بين واشنطن وبغداد، وبوادر التحسّن في العلاقات العراقية السعودية التي حملتها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مؤخرا لبغداد.
وقد أثارت تلك الزيارة حفيظة أنصار المالكي، لما يمكن أن تمثله من انتصار دبلوماسي يضاف إلى الانتصارات العسكرية التي تحققها القوات العراقية بقيادة العبادي على تنظيم داعش.
وأكدت مصادر عراقية أن حزب الدعوة حسم أمر دخول العبادي والمالكي في قائمة واحدة خلال أي عملية انتخابية قادمة، بضغط إيراني.
ولكن هذا الاتفاق لا يلغي التنافس الحاد بين الرجلين اللذين يطمح كل منهما لترؤس الحكومة إثر الانتخابات القادمة، للمرة الثانية بالنسبة للعبادي والثالثة بالنسبة للمالكي.
ويلفت متابعون للشأن العراقي أن بعض التظاهرات التي تجري في العراق لا صلة لها بالمطالب الشعبية بقدر ما تقف وراءها جهات سياسية متنفّذة تستخدم الشارع في صراعاتها على السلطة وتمارس من خلالها الابتزاز السياسي.
ويجزم هؤلاء بأنّه كلما قرب موعد الاستحقاق الانتخابي ازدادت حدة ذلك الابتزاز وشراسته. وكما يبدو فإن حيدر العبادي، بالرغم من الحديث المتواتر عن شعبيته إلاّ أن الإعلان عن ترشحه للانتخابات القادمة ضمن قوائم حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي هو بمثابة نكسة لمسعاه الإصلاحي وهو ما سيفقده الكثير من شعبيته.
وترى جهات سياسية عراقية أنّ الصراع الشيعي الشيعي سيظل يدور في إطار فعاليات محسوبة النتائج ما دامت إيران ممسكة بخيوط اللعبة في العراق.
فسياسيو الأحزاب الحاكمة أو المتنفذة، في نظر غالبية العراقيين ليسوا سوى دمى وواجهات للتمدد الإيراني الذي لن يتعرض للخطر إلا عن طريق خطوة جريئة تصل إلى مستوى الانتحار السياسي يتخذها رئيس الحكومة العراقية بالتقرب من المملكة العربية السعودية أو الاستجابة لما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب صرّح به في وقت سابق من أنه يود أن يرى في العراق حكاما عراقيين-عراقيين لا حكاما عراقيين-إيرانيين. وهي خطوة لا يستطيع العبادي القيام بها حتى هذه اللحظة.
ويقطع اتفاق العبادي والمالكي الطريق على الصدر للدخول في تحالف انتخابي جديد مع رئيس الحكومة الذي تتصاعد شعبيته، كما يقلص فرص المجلس الأعلى بالانفراد بأحد جناحي حزب الدعوة لإبرام صفقة سياسية ربما تسمح لعمّار الحكيم بترشيح رئيس الوزراء القادم.
ومنذ صباح الثلاثاء الماضي تعجّ وسائل التواصل الاجتماعي في العراق برسائل الغضب المتبادلة بين أنصار العبادي والمالكي. ويقول أنصار رئيس الوزراء السابق إن العبادي يشرب من الكأس التي تجرّعها المالكي خلال جولته الجنوبية في نوفمبر الماضي، فيما يردّ أنصار العبادي بأن استخدام الشارع للتقليل من أهمية الإنجازات الحكومية يهدد باندلاع اقتتال داخلي.
وتتوقع مصادر الحزب الحاكم أن يستمر الصراع بين جناحي العبادي والمالكي حتى خلال الحملة الانتخابية الرسمية للاقتراع العام في 2018.
وبالنسبة لإيران، لن يمثل هذا الصراع مشكلة، ما دام تحت السيطرة، في ظل حاجة أطرافه إلى الحفاظ على هذا الاستقرار الهش الذي يضمن بقاءها في السلطة، وفقا لسياسي شيعي تحدث لصحيفة “العرب”.
ويقول هذا السياسي، إن “الإيرانيين يعتقدون أن صراع العبادي-المالكي لن يصب إلا في صالحهما انتخابيا، إذ يبقيهما في الواجهة دوما”، مشيرا إلى أن “طهران لن تسمح لهما بالتمادي”.