لا يربط المراقبون للشأن الفلسطيني في لبنان الاشتباكات الحالية في مخيم عين الحلوة بالزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت الأسبوع الماضي، ويعتبرون أن الأمر هو فصل من مسلسل الفوضى التي يعيشها المخيم والذي حولته إلى مجموعة من الأحياء والجزر الأمنية التي تتعايش بصعوبة وتمثّل تناقضات في المصالح والحسابات الإقليمية.
وتأتي الاشتباكات في توقيت إقليمي يضغط على الأطراف المعنية لاتخاذ قرار حاسم لاجتثاث العبث من أكبر المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان.
وتعتمد الدولة اللبنانية على التعاون الفلسطيني الداخلي دائما للإمساك بالأمن داخل المخيم. ونجحت من خلال هذا التعاون في ضبط الوضع نسبيا قبل ذلك، ناهيك عن نجاح الجهود المشتركة في قيام مطلوبين داخل المخيم بتسليم أنفسهم للدولة اللبنانية.
وقد تم الالتزام بقرار وقف إطلاق النار الذي اتخذ إثر اجتماع موسع لممثلي القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية في السفارة الفلسطينية في بيروت.
وسجل الالتزام بالاتفاق من قبل مسلحي حركة فتح والمجموعات الإسلامية المتشددة بعد أوامر صارمة صدرت من مسؤول قوات الأمن الوطني الفلسطيني صبحي أبوعرب، ومن مسؤول عصبة الأنصار الإسلامية الشيخ أبوطارق السعدي، ومن مسؤولين عن تنظيمات وعن جماعات مسلحة غير خاضعة لفتح أو لعصبة الأنصار.
وذكرت مصادر قريبة من مداولات الحدث أن السلطات اللبنانية جادة في مطالبة القوى الفلسطينية بحل ينقذ المخيم من مصير مخيم نهر البارد في شمال لبنان والذي اضطر الجيش اللبناني إلى خوض حرب ضده بعد تمكّن جماعة “فتح الإسلام” المتشددة من السيطرة عليه في صيف عام 2007. كما أن قيادة المخيم في الداخل معنية بتجنيب المخيم في جنوب لبنان مصير المخيم في شماله وهي تعكف على دراسة خطط لتخليص المخيم من البؤر التي جعلت منه ملاذا للجماعات الجهادية وللمطلوبين من قبل الدولة اللبنانية.
وتقول المعلومات إن الاشتباكات الأخيرة جاءت لتتناقض مع الروح التي حملها الرئيس الفلسطيني إلى أركان الدولة اللبنانية لوضع المخيمات الفلسطينية تحت سقف الدولة، بما في ذلك تسليم أمنها كاملا للجيش والقوى الأمنية اللبنانية.
ورغم قيام الجيش اللبناني ببناء سور مثير للجدل يحيط بالمخيم، إلا أنه لا خطط لديه للقيام بأي عمل عسكري للسيطرة على المخيم، خصوصا وأن إثارة موضوع السلاح الفلسطيني غير مطروحة حاليا، لأنه يعني منطقيا إثارة موضوع سلاح حزب الله.
وترى مصادر فلسطينية أن الحاجة إلى حسم الأمور في “عين الحلوة” باتت مطلبا فلسطينيا قبل أن تكون مطلبا لبنانيا.
وفيما تتحدث الأوساط داخل المخيم عن ميول نحو الذهاب إلى خيار الحسم العسكري ضد الجماعات الإسلامية، إلا أن هذا الخيار دونه عوائق ومطبات يجب تأملها بعناية.
وعلى الرغم من الإعلان عن تشكيل قوى أمنية فتحاوية قيل إنها قد تكون استعدادا للخيارات القصوى، فإن المراجع السياسية الفلسطينية تسعى إلى إنتاج خطة تتيح إخراج كافة المطلوبين للدولة اللبنانية فضلا عن الجماعات المتشددة الذي يسبب تواجدها حالة من التوتر الدائم.
وتتحدث المصادر عن مداولات جارية بين بيروت ورام الله من أجل الوقوف على خطة مشتركة لنزع فتيل أزمة المخيم.
وتكشف مصادر فلسطينية عن إمكانية تدخل قوة فلسطينية يتم استقدامها من مخيمات لبنان الأخرى لخوض معركة “عين الحلوة” إذا اتخذ قرار بهذا الشأن، بغية تجنيب المخيم حربا أهلية تجري بين سكان المخيم أنفسهم.
غير أن مراجع فلسطينية قالت إن الفلسطينيين لا يريدون أن تتحوّل مخيماتهم إلى بؤر تقصدها عناصر إرهابية تأتي من خارج المخيم ومن خارج الدوائر الفلسطينية، لكنها لا تريد فتح جروح في المخيم وإشعال حرب أهلية داخله.
وقالت مصادر من داخل مخيم عين الحلوة إن تفجّر الاشتباكات لا يكون دائما نتيجة مواجهات تقليدية بين الجماعات الإسلامية وحركة فتح، بل إن بعضها مفتعل من قبل جهات فتحاوية لصالح حسابات فتحاوية.
وتشير هذه المراجع إلى أن استقالة القيادي الفتحاوي منير المقدح من قيادة القوة الأمنية التي شكلت سابقا لضبط أوضاع المخيم سببت توترا في صفوف حركة فتح نفسها، ناهيك عن أن الانقسام داخل فتح في المخيم بين تيار موال لرام الله وتيار موال للقيادي الفتحاوي محمد دحلان يفاقم من ركاكة الوضع الفتحاوي المعوّل عليه في فرض الأمن والتخلّص من أورام العبث داخله.
وتكشف مصادر أمنية لبنانية أن المخيم مخترق من قبل داعش والنصرة ومن قبل حزب الله ومخابرات دمشق على نحو يجعله ميدانا مواتيا لإرسال رسائل تتجاوز المخيم وتتجاوز لبنان.