حالة حرب حقيقية عاشتها مدينة صيدا عموماً ومخيم عين الحلوة خصوصاً. منذ أيام والمخيم يعيش حالة توتر واشتباكات متقطعة كانت الجولة الأعنف منها الثلاثاء، في 28 شباط، حيث توسعت رقعة الاشتباكات واستخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقذائف الصاروخية. لا أحد يملك جواباً حقيقياً عن أسباب الاشتباكات. البعض يعتبرها صراعاً على النفوذ، والبعض الآخر يرى أنها مرتبطة بحسابات إقليمية وخلافات فلسطينية بين السلطة وأطراف أخرى، وبالتالي تنعكس على الداخل اللبناني. فيما هناك من يبسّط الأمر أكثر من ذلك، ليعتبر أن بعض القوى المنزعجة من التنسيق الفلسطيني- اللبناني هي التي تريد إشعال المعارك لعدم تسليم المطلوبين في صفوفها للأجهزة الأمنية اللبنانية.
إلى جانب هذه الأسباب، ثمة من يربط بين إشعال المخيم وزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تتحدث عن أن عباس بحث مع المسؤولين اللبنانيين سبل إيجاد حلول جذرية لأوضاع المخيمات في لبنان. بالتالي، العودة إلى مندرجات طاولة حوار، في العام 2006، التي حصل فيها توافق بين كل الأفرقاء السياسيين، على وجوب سحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات. وهذا ما اتفق عليه عباس مع القيادات.
لكن الفصائل، التي ترفض هذا الأمر وتريد الاستمرار بسيطرتها على بعض الأحياء، أشعلت فتائل الاشتباكات كرسائل اعتراضية على أي محاولة. وهناك معلومات تفيد بأن عباس أبدى استعداداً ورغبة فلسطينيين لأن تكون المخيمات خاضعة لسيطرة الأجهزة اللبنانية، خصوصاً الجيش اللبناني على غرار الوضع في المخيمات خارج لبنان. وهذا الكلام يتقاطع مع كلام فلسطيني من داخل عين الحلوة، وصل إلى "المدن" نقلاً عن أشخاص معنيين، كانوا يأملون أن يدخل الجيش اللبناني ويمسك بزمام المبادرة. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الجيش عزز من قواته حول مداخل المخيم.
في المقابل، تتفق الفصائل في موقفها العلني على أن الاشتباكات تحصل بين حركة فتح وجماعات إسلامية متطرفة. لكنها، هذه المرّة اتخذت طابعاً أكثر عنفاً على اعتبار أن فتح تحررت من القوة الأمنية، وأصبحت قادرة على الرد على كل ضربة تتلقاها، بخلاف ما كان يجري سابقاً. ولا يخفى الكلام استعداداً فتحاوياً لحسم المعركة مع التنظيمات الإسلامية، خصوصاً مع التعزيزات التي استقدمتها الحركة إلى المخيم تحسباً لأي تطور قد يحصل. ومن جهتها، عملت القوى الإسلامية على توحيد صفوفها ضمن غرفة عمليات موحدة، ضمّت جند الشام، فتح الإسلام، ومجموعة هيثم الشعبي، وبلال بدر، لصد أي هجوم يمكن أن تشنه فتح على مناطق سيطرة هذه الأطراف.
إلا أن المعطيات تبدو مغايرة، إذ بحسب ما ترى مصادر متابعة فإن فتح لن تكون قادرة على الحسم، وأي معركة من هذا النوع ستدخل المخيم في أتون لن تخمد ناره، خصوصاً أن المنطقة التي بدأ فيها الاشتباكات، أي في حي الصفصاف، تعتبر معقلاً أساسياً لعصبة الأنصار. بالتالي، فإن العصبة ستكون أمام خيارين، إما أن تكون على الحياد وهذا قد يعرض العديد من أهالي عناصرها لخسائر مادية وبشرية، أو ستكون في خيار المواجهة مع فتح. وهذا أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إشاحة النظر عن الحسم العسكري، واللجوء إلى ما جرى الإتفاق عليه في السفارة الفلسطينية، بشأن ضرورة التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، عبر تشكيل لجنة توجهت سريعاً إلى المخيم لتثبيته، كما جرى الإتفاق على إعادة تشكيل القوة الأمنية على أسس مشتركة، بحيث تكون قادرة على فرض الأمن ومعالجة أي حادث، بطريقة عمل مختلفة عن الطريقة التي اعتمدتها القوة الأمنية السابقة. وهذا ما يؤكده الناطق باسم عصبة الأنصار أبو شريف عقل، مشيراً إلى أن وقف إطلاق النار سينفذ ويتم تثبيته ولو بالقوة.
في مقابل ذلك، استكمل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد جولاته على المسؤولين، وتركزت على إيجاد خطة أمنية لبنانية فلسطينية مشتركة للمخيمات، من المفترض أن تبدأ من عين الحلوة لتشمل المخيمات الأخرى. وهذه الخطوة تنطلق من استكمال تسليم المطلوبين الخطيرين إلى الدولة اللبنانية، كمرحلة أولى، على أن يتم تنفيذ المرحلة الثانية بعد إنجاز الأولى، والتي قد تصل في النهاية إلى استلام الأجهزة اللبنانية المخيمات، في حال فشلت القوة الأمنية الجديدة